عبـــــر للاســــتخلاص واعتـــــــذار عن الاغتيـــــــــــال؟!
جان عزيز

قد لا تكون مصادفة أن يرفع سعد الدين الحريري، اليوم، الشعار نفسه الذي رفعه بشير الجميل: «لبنان أولاً». فثمة سياقات عدة تنسج مماثلة ملحوظة بين الرجلين، في حدي التشابه والاختلاف.
سياق التشابه الأول منبثق من الملاحظة بأن أحد أعمق أسباب الأزمة المتوالدة في لبنان ما بعد الطائف، هو ان الجماعة المسيحية فيه لم تعد تشبه نفسها التي كُوّن لبنان بسببها، مطلع القرن الماضي. والسياق نفسه يقود الى الملاحظة ربما بأن «الدور» و«العلة» السابقين لمسيحيي «لبنان الكبير»، باتا اليوم أقرب الى واقع الجماعة السنية في لبنان، إن لجهة مقوماتها الداخلية، ديموغرافياً واقتصاداً و«مؤسسة سياسية» وانتشاراً مدينياً، أو لجهة قدراتها الخارجية، علاقات إقليمية ورعاية دولية وحضوراً في المحافل كافة.
هكذا قد يتراءى للبعض ان سنة «لبنان مجلس الامن» هم فعلاً مسيحيو «لبنان عصبة الامم». وبالتالي يصير الـ«لبنان أولاً» في توارد الافكار بين الجميل والحريري، تعبيراً غير واع ربما، عن انتماء الرجلين الى جماعتين متطلعتين في حقبتين مختلفتين، الى تأدية الدور الأول، في وطن يُراد أخيراً ونهائياً، ما دام هذا الدور مضموناً.
وقد يتكشف سياق المماثلة هذا بين الجماعتين المسيحية والسنية، عن سلسلة من نقاط التشابه بين الجميل والحريري، كما بين «حزبيهما» السياسيين.
فالقرار 1701 بالنسبة الى «تيار المستقبل»، هو تماماً ما كانه القرار 520 بالنسبة الى «القوات اللبنانية» صيف 1982. وسلاح «حزب الله» بالنسبة الى «فريق 14 آذار»، يكاد يصير مطابقاً لما كانه سلاح أبو عمار بالنسبة الى «الجبهة اللبنانية» قبل ربع قرن، وهنا مكمن خطأ آذاري كبير آخر. فضلاً عن محاولة الفريقين الافادة من اجتياحين اسرائيليين، وسعيهما بفارق 25 سنة، الى تجربة عبور شفير الهاوية، بين «مغانم حرب العدو»، و«مهالك السلام معه». فمن لم يتذكر إلحاح مناحيم بيغن على «المعاهدة الآن» في أيلول 1982، حين سمع إيهود أولمرت متوقعاً تفاوضاً مباشراً مع الحكومة اللبنانية بعد الحرب في أيلول 2006؟!
هل تكفي هذه المؤشرات لرسم التطابق بين الظرفين والطرفين والشخصين؟ طبعاً لا. فبعيداً عن الجانب الشخصي الذي قد يلحق ظلماً كبيراً بسعد الدين الحريري، إذا ما قورن ببشير الجميل، نضالاً شخصياً وتجربة قيادة وكاريزما جماهيرية، يبقى الأكيد ان نقاط الاختلاف بين الوضعيتين كبيرة وجلية، خصوصاً في علاقة الرجلين بالواقع اللبناني وتعقيداته.
فبشير «الآتي الى الرئاسة على الدبابة الاسرائيلية» كما اتهم، عرف كيف يتآلف مع مؤسسات النظام الثائر ضده، من الياس سركيس الى كامل الأسعد، وصولاً حتى الى صائب سلام. فيما الحريري الطامح الى السرايا، تلبية لأمر اميركي ـ فرنسي ـ سعودي كما يتهم أيضاً، يعجز عن التفاهم مع ميشال عون العائد الى لبنان على صهوة قانون محاسبة سوريا والقرار 1559، ويفشل حتى في الحفاظ على تحالفاته النيابية والحكومية. بشير أعطى الانطباع ببناء الجسور بين الجماعات، حتى في ظل الاحتلالات. فيما الانطباع عن الحريري انه عاجز عن هدم الحواجز، ولو بعد انجاز الانسحابات…
ومع ذلك، هل يمكن سعد الدين الحريري رفع شعار «لبنان أولاً»؟ طبعاً نعم، شرط ان يقترن الأمر بسيل من العبر المستخلصة، وباعتذار علني صريح عن 24 سنة كاملة من الاغتيال المستدام لبشير الجميل.