نقولا ناصيف
دخل طرفا النزاع، قوى 14 آذار و«حزب الله»، في سجال تصفية حسابات سياسية ناتجة من حرب 12 تموز، استُهلت بالذرائع والنعوت الأسوأ، ومنها التخوين المتبادل والانتساب الى الخارج والتحوّل أداة بين أيدي قوى إقليمية كسوريا وإيران، ودولية كالولايات المتحدة وبريطانيا وبمراجعة أخطاء رهانات منذ انتخابات 2005. والواضح أن كلاًّ من الطرفين من خلال نوابه وحلفائه، يلقي بثقله في مواجهة باتت تتصل بما يريد كل من الفريقين أن يكون عليه التوازن السياسي الجديد بعد تلك الحرب. ويتصرّف كل منهما حيال الآخر على أنه خرج من الحرب إما خاسراً عسكرياً أو خاسراً سياسياً.
في موازاة سجالهما الساخن هذا، يقيم الموقف الأميركي على طرف نقيض مما يجري في لبنان، وإن يكن ثمة قاسم مشترك بين الأفرقاء الثلاثة هؤلاء هو مصير سلاح «حزب الله»: قوى 14 آذار تعتقد أنه فقد مبرراته تماماً بانتهاء الدور العسكري للحزب عند «الخط الأزرق» وفي مزارع شبعا مع انتشار الجيش اللبناني والقوة الدولية فيهما، ومع تسليم لبنان بالعودة الى اتفاق الهدنة. بدوره، الحزب يرى أن لا مناص من تمسّكه بسلاحه الى حين تحرير المزارع واسترداد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية واستعادة الثقة بشركائه الآخرين في الحكم بما لا يشعره كتنظيم وطائفة بأنهما مهدّدان.
الموقف الأميركي، تبعاً لمعلومات ديبلوماسية اطلع عليها سياسيون لبنانيون بارزون، فتكمن في بضعة استنتاجات انتهى اليها مسؤولون في الإدارة تجاذبتهم اتجاهات بعضها مشترك والبعض الآخر متعارض حيال تقويمهم الحرب الأخيرة.
وأدرجها تقرير ديبلوماسي في الآتي:
1 ــ ان صانعي السياسة في واشنطن يفكرون في الطريقة المثلى للعمل في لبنان بعدما استقر وقف النار. والأهم بالنسبة اليهم هو نزع سلاح «حزب الله» وتثبيت سلطة الدولة اللبنانية على أراضيها انطلاقاً من اعتقاد الأميركيين أن إلغاء دولة «حزب الله» داخل الدولة اللبنانية ضروري للسلام في المنطقة، ومن أجل ربح الحرب على الإرهاب، ومواجهة إيران الطامحة للسيطرة على الشرق الأوسط.
2 ـــــ يلاحظ الأميركيون أن وجهة نظرهم حيال ما يجري في لبنان لا تتطابق مع ما يقول به حلفاؤهم العرب. ويرون أن حرب 12 تموز انتهت وربحت فيها إسرائيل وخسر «حزب الله». وتالياً تقود النتيجة البديهية لهذه الحرب الى سلام يحتّم أن يرافقه تجريد الحزب من سلاحه وتقليل نفوذه السياسي داخل السلطة اللبنانية. ويستشهد التقرير بخلاصة انطباعات عاد بها وفد من الكونغرس الأميركي زار القاهرة في 31 آب الفائت، مفادها أنه «صُدِم» بردّ فعل المصريين رسميين وأحزاباً، واستيائهم من الدعم الأميركي لإسرائيل ومنع الأمم المتحدة من استعجال اتخاذها قراراً فورياً بوقف النار في لبنان.
3 ـــــ تبدو الإدارة الأميركية بطيئة في تقبّل نتائج حرب 12 تموز خلافاً لدول المنطقة ولا سيما منها إسرائيل. ويعزو التقرير الديبلوماسي ملاحظته هذه الى عاملين: أولهما أن الحرب كانت انتصاراً آخر للمتطرّفين الذين منهم «حزب الله» في التصنيف الأميركي، وكذلك سائر التنظيمات الأصولية وخصوصاً السنّية التي تريد الاستفادة مما رآه «حزب الله» انتصاراً له وقطف ثماره في نشاطات هذه التنظيمات وترويج أفكارها العقائدية والمتشددة. وثانيهما عدم قدرة الدولة العبرية على إلحاق هزيمة عسكرية بالتنظيم الشيعي. وعلى نقيض من إدارة الرئيس جورج بوش، بدأت إسرائيل تدرس الأخطاء التي ارتكبتها حكومة إيهود أولمرت.
4 ـــــ ثمّة تقدّم في مناقشات تجريها الإدارة الأميركية مع أعضاء في الكونغرس عن سبل مساعدة لبنان على مواجهة نتائج الحرب الأخيرة، مع إظهار إعجاب خاص ولافت برئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي يحظى باحترام واهتمام بالغين داخل الإدارة. ويستند هذا التقويم الى الطريقة التي اتبعها السنيورة في إدارة الموقف اللبناني من الحرب، وتفاعله الجدي مع الجهود الديبلوماسية، ولا سيما منها الأميركية، ومساهمته في التوصل الى مخارج ملائمة للقرار 1701، أضف أنه أصبح أفضل حظوظاً من سائر المرشحين لرئاسة أي حكومة لبنانية جديدة.
ويصف مسؤول في الإدارة الأميركية دور السنيورة هذا بأنه كان «أشبه بمعمودية نار»، ويخوّله ذلك في رأيه «ممارسة سلطته رئيساً للحكومة من دون اتفاق مع حزب الله».
5 ـــــ تعتقد واشنطن أن «حزب الله»، وإن بدا مرتاحاً الى قدراته العسكرية وفاعليته وإتقانه دوره في المواجهة مع إسرائيل، بات غير ميّال الى أن يعود اليها مجدداً وفي مدى منظور، وخصوصاً إذا حُلّت قضية مزارع شبعا على نحو ما يريد، أي انسحاب الجيش الإسرائيلي منها بما يُعدّ مكسباً جديداً للحزب. ويلاحظ التقرير أن اطمئنان الحزب الى ما كان يريده وقال به تكراراً، وهو وجود توازن رعب بينه وبين الجيش الإسرائيلي، كفيل بأن يغلق قابليته واستعداده لخوض امتحان عسكري جديد ومكلف لبلده مع إسرائيل.
لكن البعض في الإدارة الأميركية يقرّ بنجاح «حزب الله»، ويرى في الوقت نفسه أن الحزب سمح لحكومة السنيورة إبّان الحرب الأخيرة بأن تستمر بـ«دور رسمي وإن لم تكن لديها سلطة». وينسب الى مسؤول في الإدارة قوله إن «حزب الله» يعرف أن «من المستحسن له ألا تكون عنده دولة».
6 ـــــ ان الرئيس الأميركي ورجال إدارته يركّزون في الاجتماعات المغلقة وفي المواقف المعلنة على نتائج إيجابية أفضت اليها الحرب الإسرائيلية، منها أنها ستؤدي الى توسيع نطاق سلطة الحكومة اللبنانية على أراضيها بفضل القرار 1701 والدور الذي تضطلع به القوة الدولية المعزّزة في جنوب لبنان التي ستضمن وقفاً دائماً للنار. لكن بعضاً في هذه الإدارة، متفائلاً بنتائج الحرب، يلاحظ أن الجيش اللبناني «في حاجة الى مدة طويلة كي يصبح قوة قادرة على القتال وفرض الأمن على جميع القوى في لبنان». ويقول أحد هؤلاء استناداً الى ما ينسبه اليه التقرير الديبلوماسي: «لنا تاريخ طويل من العمل مع الجيش اللبناني (بين عامي 1982 و1989)، ولكنه لم يكن مثمراً دائماً».