ابراهيم الأمين
ماذا تفعل الأساطيل الغربية قبالة الشواطئ اللبنانية؟
مرد السؤال ليس فقط الاعلان السياسي الصادر عن الحكومة الالمانية إزاء المهمة التي خرج من اجلها الجنود الالمان الى الشرق الاوسط، بل أيضاً سلة الإجراءات التي تعمل عليها، بدون توقف، كل المجموعات الامنية التابعة لقوى الاكثرية او تلك التي تخص الفرق العسكرية للدول المشاركة في القوة الدولية ولا سيما المانيا وفرنسا وإسبانيا، اضافة الى ايطاليا التي تبدو اقل قلقاً، بينما تتولى المخابرات المركزية الاميركية عملية التنسيق من خلال الجهاز الموسع الذي لا يقيم اصلاً في مقر السفارة في عوكر بل يتخذ من اماكن عدة في بيروت بشقيها الغربي والشرقي مقار له، وهي الخلايا التي عادت إلى الانتشار بقوة تحت عناوين اكاديمية وإعلامية وتجارية، وحيث اظهر تقرير خاص قدم لمرجعية معنية، ان هناك اكثر من الف شخص اميركي وفرنسي وألماني يترددون على لبنان ويقيمون فيه لفترات متقطعة تحت عناوين عدة، كان آخرها الفرق القادمة لتبيان آثار الدمار او التي تقع تحت عنوان “الجمعيات الانسانية”.
ويلفت خبير في هذه الاجهزة الى جملة مخاطر باتت تهدد سلامة الجنود الاجانب في لبنان وسلامة مدنيين منهم، يتبين يوماً بعد يوم أنهم يعملون ضمن اجهزة امنية. ويحذر هذا الخبير من أن الامر قد ينعكس سلباً على مجموعات مدنية غربية لا علاقة لها بالأجهزة الامنية التابعة لدولها. كما أن من شأن التصرف الامني الغربي تهديد مصالح جهات لبنانية تتلقّى مساعدات من حكومات هذه الدول او مؤسسات تابعة لها. كما يحذّر هذا الخبير من أن في العواصم الغربية من يستند الى معلومات خاطئة، مصدرها اسرائيل او بعض الجهات اللبنانية والعربية، وتقدم معطيات لا تمتّ الى الواقع بصلة، عن الواقع السياسي والشعبي في لبنان. وهي معلومات تبين أن الجهات الامنية الغربية ولا سيما الاميركية منها، قد جمعتها خلال السنة الاخيرة وأظهرت العمليات الحربية الاسرائيلية خلال العدوان الاسرائيلي انها استندت اليها. علماً أنه كُشف عن ثغر هائلة وعن نقص حاد في “المخبرين” الذين تحتاج إليهم المخابرات الغربية في ملاحقة حزب الله، اضافة الى ما يسمّى بنقاط النفوذ السوري وملف الجماعات الاسلامية السلفية.
وإذا كان الملف الامني للحرب الاخيرة لم يفتح على مصراعيه بعد، فإن خبيراً في الشؤون الاسرائيلية لفت الى اهمية المراجعة التي تقدم عليها المؤسسات الامنية في اسرائيل، التي لن تقل اهمية عن تلك التي جرت إثر حرب تشرين في عام 1973، وسوف تليها تغييرات جذرية في السلوك الامني الاسرائيلي، وسترصد موازنة بمئات ملايين الدولارات في الفترة المقبلة لوضع آليات تعاون واسعة ومكثفة مع كل من يعمل في الامن في العالم، ولا سيما القوى القادمة تحت لافتة القوة الدولية لتحقيق الاختراق الكافي لتوجيه ضربات قاسية الى المقاومة وإلى كل من يدعمها.
ويوضح مصدر معنيّ ما يحصل بالآتي:
ان القرار 1701 لم يكن لينفذ لولا حصول الدول الغربية المعنية على ضمانات متنوعة من الحكومة اللبنانية، وفي بعض الحالات من حزب الله، للانتشار في جنوبي نهر الليطاني. وإن هذه الضمانات شملت ضمناً وضع حدود لدوائر العمل سواء بما خص سلاح المقاومة او ما خص العمل خارج الاطار المحدد لمهمة القوة الدولية. كما أن الاتصالات الاولية والتي شملت الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، كشفت صراحة أنه ليس لدى القوة الدولية نية او استعداد للانتشار على الحدود البرية مع سوريا، او لتوسيع العمل داخل لبنان، ولا لوضع نقاط مراقبة او جنود او رجال امن في المطار وفي المرافئ.
لكن الذي حصل هو أن فريقاً لبنانياً، يتقدمه النائب وليد جنبلاط ويؤيده الرئيس فؤاد السنيورة، ومعه اقطاب من بقايا قرنة شهوان، حثّ القوى الدولية على توسيع العمل والتسلل من خلال بعض الانشطة ذات الطابع المدني نحو ادوار اوسع، بحجة أن لبنان يحتاج الى دور القوة الدولية لمنع حزب الله من تنفيذ أعمال اضافية ضد اسرائيل، خشية ان يؤدي ذلك الى حروب جديدة، وللضغط على الفلسطينيين للقبول بشمول الاجراءات المخيمات الفلسطينية، وهو امر أثاره أصلاً الرئيس السنيورة مع وفد منظمة التحرير برئاسة عباس زكي غداة صدور القرار الدولي. وطلبت هذه القوى من المندوب الدولي تيري رود لارسن إجراء لاتصالات بهدف المساهمة في توسيع المهام و لو تطلب الامر صدور قرار جديد عن مجلس الامن. وذهب بعض اعضاء فريق الاكثرية في هذه المناقشات الى تحميل الرئيس السنيورة مسؤولية الاستعجال في الموافقة على صيغة انتشار الجيش التي تحول دون الاصطدام بالمقاومة. واعتقد هؤلاء الجهابذة ولا سيما “الثلاثي غير المرح” الذي ضم فارس سعيد وسمير فرنجية والياس عطا الله، انه كان على الحكومة عدم القبول بما سمّوه “الانتشار المشروط” للجيش في الجنوب، وأن يكون هناك قرار حاسم بجعل الخطوة رهن تسليم حزب الله سلاحه كاملاً الى الجيش اللبناني، وتفكيك بنيته العسكرية والأمنية في الجنوب وفي بقية المناطق مع “عرض سخيّ” من هؤلاء بأن تتولى الدولة توفير الضمانات السياسية والامنية لعدم التعرض لقادة المقاومة وكوادرها.
ويلفت المصدر المعنيّ الى أن هناك قوى دولية، في مقدمها الفرنسيون والألمان، تصرفت على اساس أن هناك امكانية فعلية للعمل وفق تفسيرات جديدة للقرار 1701، منها مثلاً، أن الوحدات البرية لا تعمل تحت امرة “اليونيفيل” وأن حقها بالمبادرة محفوظ وفق تقديرات معينة، خصوصا أن الجانبين طلبا صراحة من قيادة الجيش الموافقة على تقديم ادوار اوسع وإيجاد قيادة مشتركة تتولى الفحص واتخاذ الاجراءات المطلوبة، وهو امر رفضه قائد الجيش صراحة، وقال إنه يفضّل أن يحصل على مساعدات مباشرة، ولمّا سئل تحديدها اشار الى اسلحة مضادة للطائرات تمنع الخروق الإسرائيلية بصورة قاطعة، وأخرى تابعة لسلاح البحرية تمنع الخروق البحرية تماماً، وأنه يتولى بالمقابل ضبط الوضع على الحدود البرية. وقد اشار لزواره صراحة الى أن الجيش الذي لم يقبل تحت الضغط الاصطدام بجمهور 14 آذار، لن يقبل تحت اي ضغط الاصطدام بجمهور المقاومة ولا بالمقاومين، وأن التجارب السابقة تؤكد أن المقاومة لم تعمد الى عرقلة أي خطوة لبسط سلطة الدولة على الارض.