انطوان سعد
عندما احتدم النزاع السياسي في شباط الماضي بين قوى 14 آذار وقوى الثامن من آذار، وخصوصاً بعد تصعيد المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، وكاد يبلغ نقطة اللاعودة، ابتكر رئيس مجلس النواب نبيه بري فكرة هيئة الحوار الوطني التي وجد فيها طرفا النزاع المخرج الذي يحفظ لكل منهما ماء الوجه. إذ كان كلاهما يعلم أن ليس في مقدوره الوصول إلى هدفه في ظل الأجواء التي كانت سائدة.
وبعد الموقف الأخير للقاء البريستول والرد العنيف لحزب الله، وما تبعهما من تصعيد مقلق، بدأ رئيس مجلس النواب مسعى جديداً لاستنباط مخرج للمأزق الحالي الذي يكاد، مرة جديدة، يبلغ نقطة اللاعودة، التي يبدو أن الطرفين المتنازعين باتا يتهيبانها. والرئيس بري بدوره محرج لأنه سيكون عليه في نهاية الأمر أن يأخذ طرفاً ويحدد موقفاً واضحاً إن لم يجد المخرج المطلوب للمأزق. فهو تمكّن في مرحلة الحرب الأخيرة وما بعدها من السير بين الألغام، ومن الحفاظ على علاقة ثقة بالطرفين، مكثفاً الإشارات الإيجابية تجاههما وبخاصة تجاه قوى 14 آذار. وأرسل إلى ركنيها، النائبين سعد الدين الحريري ووليد جنبلاط، قبل يومين من مهرجان صور لمناسبة تغييب الإمام موسى الصدر، يطمئنهما إلى أنه لن يسير في ركب الداعين إلى إسقاط الحكومة وتأليف حكومة اتحاد وطني، وإلى أنه سيدعم على طريقته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وحرص رئيس المجلس في المناسبة نفسها، وغداتها، على طمأنة حزب الله، متمكناً من تخطي «قطوع» عدم مواكبة طرح إسقاط الحكومة. لذلك بات من الملح بالنسبة إليه وبالنسبة إلى طرفي النزاع، اللذين يعوّلان على مهارته إخراج سيناريو حل يشبه مخرج شباط الماضي. وتساءلت أوساط سياسية متابعة: «أي أرنب سيخرج الرئيس بري من القبعة؟».
وفي استيضاح لـ«الأخبار» عن نيات رئيس مجلس النواب في هذا الاتجاه، قال النائب علي حسن خليل، موفده إلى رئيس تيار المستقبل وإلى قيادة حزب الله، إن «الأمر الأكيد هو أن الرئيس بري سيبادر إلى السعي لإيجاد مخرج للمأزق القائم، لكن المسألة لم تتضح بعد بالشكل الكافي، وملامح الحل ستتبلور عبر المشاورات الجارية». وأعرب خليل عن تفاؤله حيال إمكان التوصل إلى الحل المرتجى.
أما أوساط الحزب التقدمي الاشتراكي فتشير إلى أن قيادته تتجاوب مع ما يحاوله الرئيس نبيه بري، وتعتقد أن المشاورات ستفضي إلى طاولة حوار جديدة تضم ممثلي هيئة الحوار الوطني التي اجتمعت خلال الأشهر الفائتة. وتضيف هذه الأوساط أن الصعوبات أمام تأليف هيئة الحوار الجديدة ليست قبول فكرة تعذّر حضور بعض شخصيات الصف الأول، بل إصرار قوى 14 آذار على تأكيد جميع أطراف الحوار التزامهم ما توصلت إليه الطاولة السابقة من قرارات، وبخاصة تلك المتعلقة منها بالمحكمة ذات الطابع الدولي ونزع سلاح التنظيمات الفلسطينية خارج نطاق المخيمات وتنظيم الوضع الأمني داخلها. وتبدي أوساط 14 آذار شكاً كبيراً حيال نيات حزب الله تجاه هاتين النقطتين، مشيرة إلى أن مواقف حزب الله الأخيرة التي تتهمها بالتواطؤ والتخاذل تحمل في طياتها اتجاهاً الى خلط الأوراق والتنصل مما جرى الاتفاق عليه في اجتماعات ساحة النجمة.
ولعل ما يميز محاولات إنشاء طاولة الحوار رقم اثنين هو أن أطرافها لا يخفون أنها ترمي الى تنفيس الاحتقان وتمكين القوى التي صعّدت مواقفها من التراجع مع حفظ ماء الوجه للجميع. كما أنهم ليسوا متوهمين بأنها ستفضي إلى نتائج أبعد من ذلك، لافتين إلى أن موضوع الحوار في لبنان أشبه بقدر ملازم له، نتيجة تركيبته الطائفية والمذهبية والسياسية والاجتماعية المعقدة. ويجيبون عن السؤال حول جدوى متابعة الحوار إذا كانت النتيجة معروفة سلفاً بسؤال ثان: «هل من حلّ آخر؟».