برلين ــ غسّان أبو حمد
ترك تحديد المستشارة أنجيلا ميركل الواضح للمشاركة العسكرية الألمانية في إطار القوات الدولية بأنه «من أجل المحافظة على وجود إسرائيل وعملية السلام في الشرق الأوسط» ردود فعل واسعة في ألمانيا، وهو ما دفع بعض الأحزاب إلى مراجعة مواقفها. كما دفع وسائل الإعلام إلى القول إن «المهمة العسكرية غامضة وغير مدروسة». وبدأ طرح بعض الأسئلة المصيرية التي لم تخطر ببال الجيل الألماني الجديد، من نوع: «ماذا لو عاد أخي البحار من لبنان، في تابوتوفي مواجهة هذه الحال من القلق، بدأت بعض الأحزاب الألمانية، وتحديداً الكتلة اليسارية التي يرأسها النائب أوسكار لافونتين، تجميع صفوفها على أعتاب جلسة التصويت البرلمانية المقررة بعد أيام. إلا أن الكتل النيابية الموافقة على القرار الحكومي لا تزال تتمتع بالأكثرية، مع شعور «داخلي» بعقدة ذنب، تجلّت عبر تصاريح ومواقف تطالب بالمزيد من توضيح بعض النقاط الغامضة، ومنها ما يتعلق بمهمة الضباط اللبنانيين على متن البوارج الحربية الألمانية بصفة «مستشارين»، ومنها أيضاً مصير السلاح المهرّب الذي يصادر.
ونظراً لحساسية الجلسة النيابيةو «تاريخيتها»، تقرّر أن يصوّت النواب في الجلسة النيابية يوم الأربعاء المقبل، عبر تسجيل الأسماء، لا عبر رفع الأيدي، كما درجت العادة.
وفي سياق التحركات الشعبية الرافضة لقرار مشاركة القوات الألمانية في عداد القوات الدولية، دعت بعض الأحزاب والجمعيات الناشطة من أجل السلام إلى تحرك شعبي وحركة اعتصام في محيط البرلمان الألماني توزع خلالها البيانات وبعض الصور لمآسي الحروب ومخاطرها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن بعض النواب الألمان عادوا إلى أرشيف الذاكرة عبر تكرار العبارات التاريخية التي كان قادة ألمانيا الجديدة قد أطلقوها، ومنهم فيلي برانت، محذّرين من دخول ألمانيا في معترك الحروب. وتمّ التذكير بالمخالفات الدستورية المرتكبة تدريجاً، ومنها «صفقات السلاح إلى مناطق النزاع والحروب» (أخيراً صفقة الغواصات الألمانية إلى إسرائيل) والتمديد ثلاث سنوات متتالية للقوات الألمانية العاملة بأفغانستان، بقرار من الناتو لا بقرار من مجلس الأمن الدولي.
وفي إطار توزّع الكتل والأحزاب النيابية، بات واضحاً أن الأحزاب الموافقة على مهمة القوات الألمانية تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 1701، هي أحزاب التجمع الحاكم (المسيحي والاشتراكي الديموقراطي) وحزب الخضر، بينما الأحزاب الرافضة، (ولأسباب متباينة ومتناقضة) هي الحزب الليبرالي الديموقراطي وأحزاب الكتلة اليسارية.
وحاول وزير الدفاع الألماني بيتر شتروك في إطلالته الإعلامية تخفيف قلق الخائفين، بتكرار عبارة: «هذه ليست مهمة قتالية». وأكد في حديثه للتلفزة الألمانية أن مهمة «الضباط المراقبين اللبنانيين» استشارية فقط وهم لا يملكون «حق الاعتراض» على قرارات البحرية الألمانية بتفتيش ما تشاء من السفن المشتبه بحمولتها.
أما حزب الخضر، المشهود له بالنضال من أجل السلام وسلامة البيئة، فقد أعلن موافقته على قرار المشاركة الألمانية، مشترطاً المزيد من التأكيد أن القوات الألمانية لن تطلق النار على إسرائيل!
أما على صعيد الكتل النيابية المعارضة، فترى كتلة الحزب الديموقراطي الليبرالي المعترضة على المشاركة الألمانية في لبنان أن «مهمة السياسة لا تنحصر بإرسال جيوش، بل بالبحث عن حلول سياسية معقولة ومقبولة، وإلا خسرت ألمانيا دورها بوصفها وسيطاً دولياً ناجحاً» (صحيفة تاغزشبيغل).
أما أحزاب الكتلة اليسارية، فترى من ناحيتها أن ألمانيا تدخل إلى حقل ألغام المتطرفين، وهو ما قد يعرض وضعها الداخلي إلى عدم الاستقرار. وقال غريغور غيزي إن ألمانيا فقدت صدقيتها وحيادها في الشرق الأوسط. لقد وجهت انتقادات محقة إلى حزب الله، لكنها في المقابل لم تنتقد الحكومة الإسرائيلية. ألمانيا تريد أن تمنع وصول السلاح إلى حزب الله، وفي الوقت نفسه تشحن الغواصات إلى إسرائيل!».
وأشارت حركات السلام الألمانية، من ناحيتها، إلى أن الحكومة لا تحترم الناخبين، إذ كشفت الإحصاءات أن 64% من الناخبين الألمان يرفضون المشاركة الألمانية وأن 32% فقط يؤيدونها.
وإلى ذلك صدرت الصحافة الألمانية أمس وقد تصدرتها عناوين زادت قلق المواطنين: «المهمة تجلب المخاطر» (لايبزغر تسايتوغ)، «لا أجوبة واضحة» (برلينر تسايتونغ)، «مشاريع السلام فاشلة» (آبند تسايتونغ)، «الهدف التالي: دمشق» (فرانكفورتر الغماينه).