جان عزيز
تروي مصادر أرمنية فاعلة جانباً حساساً جداً وأساسياً بالنسبة إليها، من مسألة المشاركة التركية في قوات «يونيفيل»كشفته متابعتها الصحافة التركية. ذلك أنه بعد عودة وزير خارجية أنقرة, عبد الله غول، من بيروت في 16 آب الماضي، وفي أحد تصاريحه الصحافية، كشف عن بعض أسرار زيارته البيروتية. قال إنه كان بحث مع رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة في الموضوع. وفيما أبدى الأخير رغبته الشديدة في مشاركة تركية عسكرية، أبدى غول بعض التحفظ من باب الاستيضاح حول المواقف الأرمنية المناهضة للفكرة. إلاّ أن السنيورة كما روى غول، حرص على تبديد مخاوفه، حتى أنه أكد له أنه سأل «ممثل الطائفة الأرمنية اللبنانية في حكومته» حول الموضوع، فأكد «الممثل» المقصود لرئيس حكومته أن لا مشكلة إطلاقاً لدى طائفته حيال الوجود العسكري التركي في لبنان.
بعد نحو أسبوعين، وإثر تزايد النقمة الأرمنية حيال الموضوع، وجّه مرجع روحي أرمني كبير كتاباً خطياً الى رئيس الجمهورية، يجدد فيه تحفظ الجماعة الأرمنية عن مشاركة أنقرة في «اليونيفيل»، ومطالباً بطرح الموضوع على مجلس الوزراء لحسمه، عملاً بمقتضيات الميثاق الوطني. لكن رئيس الحكومة نجح مرة ثانية في طي القضية، واعداً بمعالجتها شخصياً مع المراجع الأرمنية المختصة، ومستنداً أيضاً الى تنسيقه في هذا الشأن مع ممثلي الطائفة.
ما هي الأبعاد الوطنية والكيانية لتلك الواقعة؟ أوساط سياسية معارضة تؤكد أن جوهر المسألة المطروحة حيال الجماعة الأرمنية يكمن في أمرين: أولاً قدرة السلطة القائمة على اختزال الجماعات اللبنانية بأفراد لا يملكون أي صفة تمثيلية. وثانياً استعداد هذه السلطة، بالاستناد الى هذا الاختزال بالذات، للتلاعب بوجدانات الجماعات اللبنانية وثوابتها وذاكراتها التاريخية وخصوصياتها الذاتية.
والأوساط السياسية نفسها تعرب علناً عن خشيتها من ألاّ يكون «النموذج الأرمني» وحيداً أو يتيماً. وتؤكد أن السلطة وضعت منذ مدة خطة متكاملة لتعميم هذا النموذج على باقي الجماعات اللبنانية، أياً كان حجمها وفاعليتها. وتشير هذا الأوساط الى أن سلسلة اجتماعات عُقدت لهذا الغرض، بين عدد من مسؤولي الفريق الأكثري الحاكم. وكان جدول أعمال تلك الاجتماعات مقتصراً على بند واحد: «مقاربة الوضع المسيحي واستيعابه».
وتشير المعلومات المتوافرة لدى الأوساط نفسها الى أن المجتمعين توافقوا سريعاً على نقطتين اثنتين كمنطلق للمهمة المطلوبة منهم: 1 ــ ثمة اقتناع عنادي لديهم، على طريقة «التفكير المتمنىّ»، بأن انهياراً مريعاً قد أصاب شعبية ميشال عون في الوسط المسيحي.
2 ــ ثمة إدراك أكثر وعياً لدى المعنيين أنفسهم، بعجز مسيحيي «فريق 14 آذار» عن الإفادة من هذا «التراجع العوني»، وباستحالة تعبئة «الفراغ» المنشود من قبل أي من هؤلاء.
وبناءً على هذين المنطلقين تكوّن الرأي القائل بأن «الأرض المسيحية» بعد حرب 12 تموز ــ 14 آب، باتت تماماً كما يتصور هؤلاء أنفسهم «الأرض الشيعية»، حقلاً خصباً لمن يغرف، لكن «الفَعَلَة قليلون», في اعتقادهم.
وتضيف معلومات الأوساط نفسها أن البحث انتهى الى توزيع العمل لإقامة أوسع شبكة اتصالات مسيحية، من خارج الأحزاب القائمة، تابعة كانت للسلطة أو مناوئة لها. مع التركيز على إحداث خروق في ما يسمى «المجتمع المدني»، عبر أساتذة جامعيين واقتصاديين، وحزبيين سابقين. كما صار إجماع في الرأي على ضرورة العمل على إقامة مجموعات متعددة، لا ترتبط ببعضها أفقياً إطلاقاً، بل يُكتفى بعلاقاتها الإفرادية عمودياً، بالمحركين المسؤولين من قبل السلطة. واللافت أن حرصاً ظهر لدى هؤلاء على تطعيم هذه المجموعات بوجوه غير زمنية، عبر استدراج عدد من أصحاب النيات الروحية الطيبة، للمشاركة في كل منها، تحت العنوان الكبير: البحث في كيفية إنقاذ المسيحيين.
وتضيف معلومات الأوساط أيضاً، أن ثمة إيعازاً أُعطي للمحركين، بضرورة «قوننة» هذه المجموعات تباعاً وفي أسرع وقت ممكن. مع الحرص على جعل هذه الخطوة في إطار الإفادة من حالة «الديموقراطية المطلقة» التي أتاحتها وزارة الداخلية الحالية، في مسألة تأسيس الجمعيات. ليكون الهدف ضمن مدى زمني قصير جداً، رفع عشرات «الآرمات» المسيحية المناهضة للقوى الرئيسية في بيئتها والمرتبطة مباشرة أو مداورة، بعلم بعضها أو من دون علمه، بدوائر السلطة.
ولم ينسَ المحركون، وفق الأوساط نفسها، «سلّة الحوافز» المتاحة للعمل، من التسويق الإعلامي المرئي للمستوعبين، وصولاً الى كل «عدة الشغل» المعروفة.
هل تنجح الخطوة؟ وما هي نتائجها الممكنة في حال نجحــت؟
تؤكد الأوساط نفسها استحالة الإجابة الآن عن إمكان نجاح مثل هذا المخطط أو فشله. لكنها تجزم أن نجاحها يعني تحويل كل «ممثلي» الجماعات اللبنانية مجرد طبقة «انكشارية» باللغة التركية الواجب استعارتها ، أو متعهدين من الباطن، بلغة المقاولة السياسية.