بيسان طي
24 سنة مرّت على مجزرة صبرا وشاتيلا. التقى فلسطينيون ولبنانيون وفرنسيون وإيطاليون أمس لإحياء الذكرى، في حضور النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة وعضوي وفده من “التجمع الوطني الديموقراطي” طه صالح وجمال الزحالقة.
من الشارع المقابل للسفارة الكويتية، سار نحو مئة شخص أو أكثر تتقدّمهم فرقة كشافة الرشيدية تعزف الأناشيد. وعند بوابة مقبرة شهداء المجزرة، كان أبناء المخيم وأهالي الشهداء ينتظرون.
تجاورت صور شهداء المذبحة مع صور ضحايا مذابح العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان في الاحتفال الذي حمل عنوان “من صبرا وشاتيلا إلى قانا”. وقد اقتصر على كلمات ألقاها كلّ من رئيس بلدية الغبيري محمد سعيد الخنسا وممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي ورئيس الوفد الإيطالي ستيفانو كياريني وممثل الوفد الفرنسي رئيس بلدية مدينة بانيوليه مارك أيفربيك. وشدد المتحدثون على ضرورة استمرار المقاومة ضد إسرائيل وعلى أهمية النصر الذي حققه المقاومون اللبنانيون. ودعوا إلى أن تلتزم قوات اليونيفيل بما نصّ عليه قرار الأمم المتحدة وألا تحاول تحريفه أو المشاركة في نزع سلاح حزب الله.
في مكان الاحتفال وقفت نسوة يحملن صوراً قديمة هي صور أبنائهنّ شهداء المجزرة، بينهنّ زهرة حسين نهار تحضن صورتين لزوجها حسن أحمد الحسن وابنها جلال، تروي لمن يسألها أنها متأكدة أنهما على قيد الحياة، ولكن إسرائيل تنكر وجودهما. تقول “ذهبت بنفسي إلى شاتيلا بعد المجزرة. رأيت كل الشهداء. لم يكونا بينهما. إنّهما أسيران”، وتطلب لمترجم أن يروي قصتها للأجانب علّهم يستطيعون شيئاً.
ولهؤلاء الأجانب قصص كثيرة يروونها بعد الزيارة التي قاموا بها إلى لبنان هذا العام. فقد جاء الإيطاليون إلى لبنان للمرة الأولى عام 2000، وزاروا الجنوب اللبناني بعد تحريره. قالوا إنهم لم يتوقّعوا يومها أن يروا قراه مدمرة. وقالوا إنّ ما شاهدوه في الضاحية الجنوبية والخيام وبنت جبيل يفوق ما توقّعوه. صبّوا غضبهم على الإعلام العالمي الذي لم ينقل صورة حقيقية عمّا تعرّض له لبنان. تأثّروا لرؤية الدمار الذي خلّفه العدوان، كانوا يردّدون أنهم مستاؤون. حزنوا “بسبب كل هذا العنف الإسرائيلي ضد المدنيين”، وفهموا أيضاً “أن الجيش الإسرائيلي أراد الانتقام من المدنيين لأنه فشل في حربه ضد المقاومة”.
كيريني صحافي ومناضل من أجل القضية الفلسطينية، شعر بغصّة كبيرة حين رأى أن إسرائيل دمّرت معتقل الخيام. قال إنها ترتكب أبشع الجرائم ثم تحاول تدمير الشواهد التي تحفظ ما سبّبته من آلام.
لم يطل الاحتفال أمس في مقبرة شهداء شاتيلا. المحتفلون لم يكونوا كثراً هذا العام، فقد كثرت المجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد العرب. ولم تعد الذاكرة قادرة على أن تحفظها كلها، بعض من حملوا الشموع في ذكرى مجزرة “صبرا وشاتيلا” قبل أعوام منهمكون في البكاء على ضحايا قانا والشياح ومروحين وجنين. انفضّ الاحتفال سريعاً، وبالقرب من المقبرة ارتفعت أصوات من عربات بائعي الألبومات. هذا يطلق صوت الشاعر عمر الفرّا في قصيدة للجنوب، وآخر يرفع صوت جوليا بطرس تغني “يا ثوار الأرض”.