في مكان «ما» في بعلبك، كان اللقاء مع عضو شورى حزب الله، الشيخ محمد يزبك، الذي طاردته الطائرات الإسرائيلية طوال فترة العدوان، وحتى ما بعده. فالشيخ كان هدفاً لإنزالين جويّين في بعلبك وبوداي. فشلا في تحقيق هدفيهما بخطفه.
عفيف دياب

اللقاء مع الشيخ يزبك، تمّ بعد إجراءات أمنية مشددة ودقيقة جداً. بدا هادئاً ومرتاحاً لما حققته المقاومة من نصر في مواجهة العدوان الاسرائيلي. ويأسف لأنه لم يكن يحمل السلاح مع «الشباب» لمواجهة العدو مباشرة.
لم يغادر الشيخ يزبك منطقة بعلبك طوال فترة العدوان. كان يتنقل دوماً من مكان الى آخر على رغم الغارات الجوية المتواصلة طوال شهر على مدينة بعلبك والبقاع عموماً. فهو يعرف أنه كان هدفاً مطارداً من الطائرات الاسرائيلية التي بحثت عنه في كل زاوية في بلاد بعلبك ـ الهرمل. كان يتفقد الناس دوماً ويتابع أوضاعهم وحاجاتهم. «لم نترك الناس هنا لوحدهم. نحن منهم ولهم». يقول يزبك الذي يفتخر بـ«شعبنا وتضحياته»، ولا يخشى على المقاومة وسلاحها «لأن الذي واجه العدوان الإسرائيلي الأخير لا يخاف أية تهديدات أخرى».
يرى يزبك أن لبنان، بعد العدوان الأخير، خرج من مقولة أن قوته في ضعفه «لبنان اليوم قويّ بقوته وبمقاومته»، وأن «لا بديل من الحوار والتفاهم بين اللبنانيين، ونحن نريد دولة قوية وعادلة، وعلى الجميع أن يتفاهموا ويتحاوروا من أجل بناء دولتهم القوية. عندما يأخذ الجميع حقوقهم، فماذا نريد بعد؟ وعندما تصبح هناك قوة تحمي لبنان من أي اعتداء فلماذا ستبقى مهمة الدفاع على عاتق المقاومة».
يضيف الشيخ يزبك: «ما يهمّنا ألّا تكون هناك يد فوق اليد اللبنانية، ومطلوب من اللبنانيين جميعاً أن يتفاهموا ويتحاوروا. قد تكون هناك ثمة اختلافات سياسية في وجهات النظر، ولكن لا يجوز للخلاف السياسي أن يرهن البلد للخارج أو أن يضعه في مهب الريح. نحن في حزب الله حريصون جداً على جو التفاهم، وفي النهاية لا بد من التفاهم لأنه الخيار الوحيد لبناء لبنان». ويتابع: «عندما يفتقد التفاهم يخاف الإنسان في لبنان من التدويل، وفي النهاية تسقط السيادة وتهان كرامة اللبناني».
ويؤكد أن انتصار المقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير «ما كان إلا للحفاظ على كرامة اللبنانيين، ونحن نريد المحافظة على كرامة شعبنا بمشاركة اللبنانيين جميعاً، وألّا يكون أحد معزولاً أو مرفوضاً. والحفاظ على كرامة اللبناني لا يكون على حساب أي فريق لبناني آخر (...) فجميعنا نريد دولة قوية وعادلة، وعلينا أن نطرح السؤال بجرأة وشجاعة: كيف سنبني هذه الدولة ونكون كلنا شركاء فيها؟ إذ لا يجوز أن تبنى على حساب الآخر، وعلى الجميع أن يتشاركوا في بناء الدولة التي نطمح إليها» مؤكداً أن «حزب الله معني مباشرة ببناء الدولة».
وتناول يزبك بالتفصيل المقاومة وسلاحها ودور قوات الطوارئ الدولية والاستراتيجية الدفاعية، فرأى أن حزب الله «لا يستطيع أن يقول: تعالوا وخذوا سلاحي الآن، هذا يعني أنني أسلّم رقبتي للآخرين. من كان سيتصدى للإنزال الإسرائيلي في بوداي؟ التصدي لهذا الانزال أثبت صحة وجهة نظرنا بالمقاومة. وعلى الآخرين أن يعطونا جواباً عمّا كنا سنفعل لو لم تكن هناك مقاومة وحصل الإنزال في بوداي! على من يطالب بنزع سلاح المقاومة أن يؤمّن الحماية للناس من إسرائيل أولاً، وأن نكون مطمئنين للدولة. ولكن عندما لا نجد من يحمينا ويحمي الناس من الاعتداءات الاسرائيلية، علينا نحن أن نحمي أنفسنا، وهذا أمر طبيعي».
وتوجّه الى الذين يطالبون محلياً بنزع سلاح المقاومة بالقول : «لا تستعجلوا. إذا كان سلاح المقاومة يشكل خوفاً لكم، فنحن نقول: تعالوا لنتفاهم ونتحاور ونبدد هذه المخاوف سوياً. مطلب نزع سلاح المقاومة هو مطلب أميركي ـ إسرائيلي، والسلاح لا يشكل خطراً على الداخل اللبناني، بل يعطيه القوة، فلماذا نتخلّى عن قوتنا؟ ولمصلحة من المطالبة بنزع سلاحنا».
وهل لدى حزب الله مخاوف من الانتشار الدولي في البر والبحر؟ يقول يزبك: «نحن لا نخاف من هذه القوات الدولية. هي في مهمة تقول إنها من أجل حماية الناس، ونحن نرحب بهم ولن نشكل لهم أي إزعاج، والأساطيل البحرية موجودة قبل العدوان وخلاله وبعده. كل ما يعنينا هو الحفاظ على سيادة لبنان، وعلى جميع اللبنانيين أن يحافظوا على سيادة بلدهم».
وحول انتشار الجيش في الجنوب وما إذا كان سيعوق حركة المقاومة قال: إن «الدولة أرسلت جيشها الى الجنوب، وكذلك المجتمع الدولي. هناك أرض ما زالت محتلة، وعلى الدولة أن تحرّر هذه الارض. مجلس الأمن يقول إنه سيتحرك من أجل ذلك. عندما يحررون هذه الأرض اللبنانية المحتلة يكونون قد أراحوا المقاومة، وإذا لم يحرروها فالمقاومة مستمرة في ممارسة حقها وواجبها، وهذا أمر طبيعي، وبالتفاهم أيضاً. فالجيش اللبناني لا يرضى أن تبقى قطعة أرض محتلة. والمقاومة ليست مستعجلة. وإذا قام المجتمع الدولي بواجبه فنحن له من الشاكرين، وإذا لم يقم بذلك فاللبناني مطالب بتحرير أرضه وتحصيل حقوقه».
وانتقد الشيخ يزبك بيان قوى «14 شباط» وقال: «حزب الله لم يبدأ بالهجوم. الحزب ردّ على اتهامه بأنه في محور غير لبناني. فمن الطبيعي أن نرد. ومن يتهمنا بذلك فمن حقنا أن نتهمه بأنه في المكان الآخر. لبنان لا يبنى هكذا، بل بالحوار والتفاهم. هم يقولون إنهم يريدون تطبيق اتفاق الطائف، ونحن نقول لهم تفضلوا ونحن على أتم الاستعداد لذلك. الطائف يبدأ من حكومة وفاق وطني، وإذا أراد كل واحد منا أن يعمل من أجل مصلحته فقط، فهذا يعني أننا نحوّل لبنان الى مزرعة ولا نريد بناء الدولة. على الجميع أن يخففوا من شروطهم من أجل المصلحة الوطنية. ولا يجوز لمن يملك الأكثرية في مجلس النواب أن يلغي الآخر».
وإذا لم يلبّ مطلب حزب الله بتغيير حكومي، يتمنى يزبك «أن لا نصل الى السلبية، ونحن مقتنعون أن لبنان لا يقوم إلا بتضامن أبنائه جميعاً».