هل صحيح أن قداسين اثنين أقيما في منطقة ميفوق نهاية الاسبوع الفائت، بدل قداس واحد، وذلك بفارق 48 ساعة فقط، وتحت اسم «رابطة سيدة ايليج نفسها؟ وما علاقة سمير جعجع بهذا السؤال وخلفياته وحقائق الإجابة عنه؟
اوساط مطلعة على حركة التحاور والتجاذب بين «الرابطة» ورئيس حزب القوات اللبنانية، كشفت أن مسألة الصراع بين الطرفين باتت معروفة الجذور والخلفيات، منذ بدا جعجع كأنه قرر تحمل مسؤولية كل ما حصل بين القواتيين ابان فترة سجنه، وأنه قرر أن يرث كل الخلافات التي اندلعت آنذاك مع زوجته، ومنها ما ادى الى تحول مجموعة كبيرة من العسكريين الاساسيين السابقين في «القوات» عن قيادته، وتأسيسهم رسمياً «رابطة سيدة ايليج»، ومبادرتهم طيلة الاعوام الماضية الى اقامة قداس الشهداء في اوّل احد يلي عيد ارتفاع الصليب في 14 ايول في كنيسة سيدة ايليج في بلدة ميفوق الجبلية، في شكل منفصل عن قداس جعجع الذي نظمته زوجته في حريصا كردّ فعل على القداس الاول بعد عام 2002وتروي الاوساط نفسها أن جعجع قرر هذه السنة حسم الامر. فبدأ قبل اشهر طويلة سلسلة محاولات لخرق «الرابطة» واستمالة بعض اركانها بهدف شرذمتها والوصول الى هدف محدد: إلغاء القداس السنوي. وبدا في الفترة الماضية أنه نجح جزئياً في خطته عبر استيعابه بعض الافراد من مجموعة «أيليج»، من الذين تعهّد لهم تخصيصهم بمراكز قواتية ثانوية، وإعطاءهم «كوتا» معينة من المندوبين المفترض ان يشاركوا في مؤتمر عام للقوات اللبنانية، كان جعجع قد حدد له مواعيد عدة، آخرها مطلع السنة المقبلة.
غير أن هذا النجاح الجزئي لم يكن كافياً على ما يبدو لإلغاء قداس ايليج نهائياً، الأمر الذي جعل رئيس حزب القوات يعقد اجتماعاً مطولاً يوم الاحد الاسبق في دارته في الارز لاتخاذ القرار النهائي حيال الموضوع.
مشاركون في هذا الاجتماع كشفوا أن جعجع كان حريصاً في مقاربته المسألة، على أن اقامة قداس ايليج في هذا الشكل، قبل اسبوع من القداس القواتي الرسمي، سيظهر اعلامياً وسياسياً على انه حركة انشقاق قواتي. وبما أن تجنب ذلك بات مستحيلاً، فأفضل طريقة للدفاع هي الهجوم. لذلك فليبادر اعضاء الرابطة الذين التحقوا بقيادة جعجع، الى اقامة قداس ثان، قبل قداس ايليج يوم الجمعة في 15 أيلول، وليعلنوا ان قداسهم هو القداس الوحيد لرابطتهم، وليطلقوا من ميفوق موقفاً يؤكد التزام الرابطة قيادة جعجع، ويدعوا اعضاءها وأنصارها الى المشاركة في قداسه هو يوم الاحد المقبل. ووضع رئيس حزب القوات خطته تحت عنوان واضح: بدل ان يظهروا انشقاقاً قواتياً، لنظهر لهم نحن انشقاقاً داخل رابطتهم.
وعلى الفور، اتخذت الترتيبات للتنفيذ رغم الصعاب التي واجهت المعنيين به. ذلك ان الحشد لم يتوفر للحدث المركب، الأمر الذي دفع جعجع الى إمداده بعشرات من عناصره. ثم جاء اعتذار رئيس دير سيدة ميفوق عن عدم ترؤسه قدساً ثانياً قبل القداس الاول، فصار الاكتفاء بصلاة «شيل البخور»، وبكلمة رسمية تعلن الالتحاق بجعجع.
اوساط قريبة من «رابطة سيدة ايليج» أعربت عن استياء شديد مما حصل، علماً انه أوجد رد فعل ايجابياً على مستوى الحالة التعبوية للرابطة وقداسها يوم امس.
غير أن هذه الاوساط توقفت عند كون الرابطة باتت مرخصة رسمياً وتملك علماً وخبراً قانونيين، وهي تتحرك بعيداً عن اي صفة قواتية، وقداسها يقام لشهداء «المقاومة اللبنانية»، حرصاً منها على عدم اثارة اي حساسية لدى جعجع، من دون جدوى على ما يبدو. ثم إن ما يدعو الى الاستهجان اكثر، هو كون عهد الوصاية السورية قد فشل في قمع هؤلاء الناشطين، فيما عهد السيادة يحاول الإجهاز عليهم. يضاف كون هامش الحركة وحرية التعبير في الزمن الماضي اوسع من اليوم. وهذا ما كان نافراً على صعيد وسائل الإعلام خصوصاً. فرغم ما كان يُحكى عن تهديدها في الزمن السوري، كان قداس ايليج حاضراً كل سنة على الشاشات المعنية. وهذا يدفع الاوساط نفسها الى السؤال: هل بتنا في زمن أسوأ؟
(الاخبار)