نقولا ناصيف
بالإضافة إلى فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا واليونان وسواها، تدخل روسيا حظيرة القوة الدولية في جنوب لبنان على أثر تبلّغ الخارجية اللبنانية السبت الفائت انضمام 300 عسكري روسي اليها، هم عداد كتيبة هندسة لبناء جسور، لكن من دون أن تكون الوحدة الروسية في صلب القوة الدولية ولا مؤتمرة بأوامرها. وفي رسالتها الى الحكومة اللبنانية، يوم 14 أيلول، طلبت روسيا أن تكون مشاركتها ضمن تفاهم ثنائي بينها وبين لبنان انسجاماً مع رغبتها في تفادي العمل ــــــ مثل غالب الأحيان ــــــ في ظلّ قوات الأمم المتحدة. كذلك قرّرت أوكرانيا التي كانت قد انسحبت من القوة الدولية في صيغتها السابقة، العودة مجدّداً، عبر كتاب يُرجّح أن توجهه حكومتها الى نظيرتها اللبنانية في الأيام القريبة. وقرّرت الصين تعزيز 200 جندي في الجنوب بـ1000 آخرين. الى ذلك، فإن اجتماع مجلس الأمن في 21 من الجاري، المخصص لمناقشة مبادرة الجامعة العربية العودة الى جهود السلام في المنطقة، لن يتطرّق الى المسألة اللبنانية في حصيلة ما أُعلِمت به الديبلوماسية اللبنانية، لأن المسألة اللبنانية «ملف مستقلّ في ذاته بين أيدي مجلس الأمن».
يدفع ذلك ديبلوماسيين لبنانيين الى إبراز معطيات تناولتها تقارير من عواصم دول كبرى معنية بالقرار 1701، كالآتي:
1 ــ من غير المؤكد أن مجلس الأمن سيتخذ موقفاً (أو يصدر بياناً رئاسياً) من التقرير الثاني للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان عن تنفيذ القرار 1701 الذي أصدره في 12 أيلول الفائت في انتظار التقرير نصف السنوي الرابع لأنان عن تنفيذ القرار 1559، المقرّر في تشرين الأول المقبل، بغية أن تكون ثمّة مراجعة لمراحل تطبيق القرارين المتلازمين في النتائج المتوخاة منهما، وإن تكن الظروف التي أملت إصدار كل منهما قد أوجبتها أحداث مختلفة. على أن القرار 1559، وكذلك القرار 1680، شكّلا مرجعية القرار 1701 الذي لا يعدو كونه آلية تنفيذية لما نصّ عليه هذان القراران، وخصوصاً لجهة طلب تجريد «حزب الله» من سلاحه ومنع أي تدخّل سوري في لبنان من المعابر البرية عبر ترسيم الحدود وإقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين.
2 ــ في خلاصة تجرية نتائج حرب 12 تموز، يبقى سلاح «حزب الله» هدفاً مباشراً لمجلس الأمن سعياً الى نزعه بالوسائل المتاحة. وتبعاً لذلك، عكست المعلومات الديبلوماسية اتجاهاً الى حلّ ثالث لهذا السلاح هو «تحييده» وتعطيل استخدامه بعد إخفاق كل من الوسيلة السياسية اللبنانية والعسكرية الإسرائيلية. ويكمن الحل الثالث الملقى على عاتق المجتمع الدولي، تالياً، في محاصرة سلاح الحزب وتعطيل استخدامه والحؤول دون مدّ التنظيم الشيعي بمزيد منه عبر مراقبة بحرية وبرية متشددة وانتشار الجيش في الجنوب.
مغزى ذلك أن ما لم ينصّ عليه القرار 1701صراحة، أُوحيَ الى الحكومة اللبنانية إيجاد مخارج له عبر تفاهمات ثنائية لسدّ الثغر السياسية والقانونية فيه. فكان اتفاق مع الإيطاليين والفرنسيين على الانتشار في البحر، ومع الألمان على الدخول الى مطار رفيق الحريري وتفقّد المعابر البرية اللبنانية ــــــ السورية. ويدخل في هذا الإطار أيضاً ما يتردّد في أوساط واسعة الاطلاع من أن نشر جنود دوليين على الحدود اللبنانية ــ السورية لم يُسحب من التداول إلا ظاهراً بغية تقليص مساحة السجال في مسألة تتصل بالسيادة الوطنية. ويبدو أن هذا السيف المُصلت على سوريا ينتظر ذريعة ما تنتج من خطأ فادح ترتكبه هي أو «حزب الله» لفرض رقابة برية دولية مباشرة على الحدود اللبنانية ــــــ السورية.
3 ــــــ تتحدّث معلومات متوافرة للديبلوماسية اللبنانية عن إصرار مجلس الأمن على إحداث فصل قاطع بين المسألة اللبنانية وأزمة المنطقة خلال توجيه الانتباه الى الجنوب على أساس أنه مصدر المشكلة والطريق الى حلها. وبسبب ذلك يقارب المجتمع الدولي حل هذه القضية عبر إنهاء كامل للوجود المسلح لـ«حزب الله» جنوبي نهر الليطاني، والعودة الى تطبيق اتفاق الهدنة اللبناني ــ الإسرائيلي المعقود عام 1949.
في ظل اتفاق الهدنة هذا، كان لبنان خارج الصراع العربي ــــــ الإسرائيلي، الى أن وجّهت اليه الدولة العبرية ثلاث مرات على التوالي السؤال نفسه عبر لجنة مراقبي الهدنة اللبنانية ــــــــ الإسرائيلية: هل لا يزال متمسكاً باتفاق الهدنة، أم أنه ألغاه من طرف واحد؟
سئل للمرة الأولى في 7 حزيران 1967 إبّان الحرب العربية ــــــ الإسرائيلية بعد إعلانه إسقاط ثلاث طائرات إسرائيلية هوت إحداها في كفرمشكي في الجنوب، وتريّث في تسليم طيّارها فغضبت إسرائيل واتهمته بانتهاك اتفاق الهدنة. والثانية في 2 أيار 1968 عندما لوّح رئيس الحكومة عبد الله اليافي أمام تظاهرة من آلاف الشبان بتسليح «متطوعين لتحرير فلسطين» بأسلحة من الجيش اللبناني، فاستفسرت هل أعلن لبنان الحرب عليها؟ أما المرة الثالثة فكانت بعيد إقرار اتفاق القاهرة في 3 تشرين الثاني 1969، وكان الاستنتاج نفسه: القواعد العسكرية الفلسطينية في جنوب لبنان في مواجهة إسرائيل إعلان حرب.
وفي السنوات المنصرمة، بعد إقرار اتفاق الطائف، أبقت سوريا لبنان في مواجهة الدولة العبرية، فرفض الأخير تحت وطأة وضع دمشق يدها على آلة الحكم فيه بعث الروح في اتفاق الهدنة.
وعلى نحو مماثل أيضاً لفصل قضية لبنان عن قضية المنطقة، كانت ثمة محاولة أخفق الأميركيون والإسرائيليون في تحقيقها إبّان اجتياح 1982 عندما أخرجوا المسلّحين الفلسطينيين والجيش السوري من المنطقة الواقعة غرب طريق بيروت ــــــ دمشق.
والواضح أن المحاولة الجديدة تذهب الى أبعد من ذلك لسببين على الأقل:
أولهما أنها تحظى بتغطية مجلس الأمن دولياً، والإجماع اللبناني ــــــ بما في ذلك «حزب الله» ــــــ محلياً عبر إنهاء المقاومة العسكرية عند «الخط الأزرق» وفي مزارع شبعا، ومفاد ذلك التخلي عن حمل السلاح جنوبي نهر الليطاني، وعن ربط المزارع بالجولان السوري المحتل، وكذلك عن جعل «الخط الأزرق» طريق المقاومة الإسلامية في لبنان الى المقاومة الإسلامية في الأراضي المحتلة.
وثانيهما أن الهدف لا يقتصر على ترسانة «حزب الله» وحده، بل أيضاً وضع حدّ لنفوذ سوريا وإيران تبعاً لاتهامات يسوقها اليهما مجلس الأمن.
ولذا لا تتردّد أوساط بارزة في الحزب في القول إن لانتشار الأساطيل الدولية وقواها البرية في لبنان مهمة سياسية تتخــــــطى محاصــــــرة سلاح «حزب الله» وتعطيل فاعليــــــته، الى وضع هذه الأســـــــــــاطيل على مسافة استراتيجية قريبة من نظامي دمشق وطهران، إذا أخذنا في الحساب انتشار الجيش الأميركي على حدود سوريا من العراق، وعلى حدود إيران من العراق وأفغانستان.