أنطون الخوري حرب
تشهد الساحة السياسية المسيحية تطورات جديدة على صعيد الأطر الحزبية. فبعدما كان الحضور السياسي المسيحي محصوراً بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وبقايا التقليد السياسي الماروني في لقاء قرنة شهوان، بدأت مرحلة ما بعد خروج الجيش السوري من لبنان وتغير المعطيات الداخلية تدفع في اتجاه تبلور حالات جديدة، رغم عودة العماد ميشال عون إلى لبنان وخروج سمير جعجع من السجن والتصاقهما بتياريهماوالجديد في هذا المجال أن مجموعة من الشباب المسيحي كانت جزءاً من حركة النضال الشبابي والطلابي في وجه الأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية بقيادة سامي أمين الجميل تعمل على تأسيس حزب جديد يحمل اسم «الحزب الفيدرالي المسيحي».
فعندما كان حزب الكتائب خارج سيطرة آل الجميل والرئيس الجميل ملاحقاً ومستهدفاً من سمير جعجع أولا،ً ومن الدولة اللبنانية، ما جعله يقيم في الخارج ممنوعاً من العمل السياسي في لبنان، نشط نجله سامي ورفاقه تحت اسم «القاعدة الكتائبية» في محاولة لاعادة الاعتبار الى موقع عائلته وتاريخها في الوسط المسيحي.
وفي عام 2004 استقال سامي ورفاقه من الحركة الإصلاحية الكتائبية على خلفية مواقف والده وشقيقه في لقاء قرنة شهوان. وبعد المصالحة الكتائبية مع فريق رئيس الحزب كريم بقرادوني وتوحيد الجناحين، أسس سامي ورفاقه ممن ينتمون إلى تيارات مسيحية مختلفة نواة حزب جديد، واختارت هذه المجموعة لنفسها اسم «لبناننا». وغاصت في البحث في أسباب المحن التي مرت بلبنان وأدت إلى سقوطه مراراً عبر التاريخ وتحديد مسؤولية المسيحيين ودورهم في تلك الأزمات.
وانتهى هؤلاء إلى خلاصة أساسية، مفادها أن الخطأ في تركيب سلطة لا تعكس صورة مجتمعها في لبنان، كان السبب في انحداره إلى السقوط الداخلي بسبب الأزمات الإقليمية والاختلاف مع المحيط.
وبعد نقاشات طويلة ومعمقة شارك في قسم منها المفكر المسيحي ومستشار بشير الجميل الدكتور أنطوان نجم، ترسخ لدى مجموعة «لبناننا» اقتناع بأن تذويب الخصائص الطائفية لمصلحة صيغة 1943 أنتج نظاماً هشاً، ربط الاستقرار بين موازين القوى الداخلية في هذا النظام باستقرار ميزان القوى الدولي والإقليمي، وبالتالي فإن أي خلل في موازين القوى الخارجية سينتج أزمة وحرب محتمة في الداخل اللبناني، وهذا الاستنتاج يفسر السياق التاريخي للأزمات والحروب اللبنانية منذ عهد الإمارة المعنية في القرن السادس عشر وحتى اليوم.
لذلك فإن انصراف الطوائف للانضمام إلى فكرة الوطن الجامع والتمسك به والدفاع عنه، لا يمكن أن يتم إلا بعد تحريرها من هواجس الخوف من تأثير الأقلية أو الأكثرية الطوائفية على خصوصية الطوائف. وهكذا فإن اللامركزية السياسية أو الفيدرالية هي التي تحفظ لكل طائفة خصوصيتها الرومانسية الثقافية والاجتماعية كجزء من صيغة تنوع الخصوصيات في حمى الحكومة الفيدرالية المركزية ضمن عقد الحماية المتبادلة بين المجموعات الفيدرالية المكونة للدولة الفيدرالية، كما هي الحال في الكثير من دول العالم،
وإذ ترى هذه المجموعة أن تصرف المسلمين السنة كان منسجماً مع الحالة الإسلامية العامة في العالم العربي، بعكس الموارنة والمسيحيين الذين كانوا دوماً يبحثون في صيغة توفق بين الحالتين العربية والغربية، فإنها تصر على عدم عدّ طرحها مشروعاً يستهدف المجموعات الطائفية غير المسيحية، او مشروعاً مطروحاً خارج إطار التوافق الديموقراطي بين الطوائف اللبنانية للحفاظ على ميثاق العيش المشترك.
وعن احتمال منع السلطات القضائية الحركة من ممارسة نشاطها، ترى هذه المجموعة أنه يمكن للقضاء التذرع بالفقرة (ط) من مبادئ وثيقة الطائف في مقدمة الدستور لعدم منح الحركة العلم والخبر القانونيين، وهذا الأمر يستدعي اجتهاداً في تفسير الدستور اللبناني، الذي يكفل في متنه التعديل بالوسائل الديموقراطية، ولكن ليس لأحد ممارسة قمع ومنع إعلان هذا الطرح للرأي العام.
يبقى للأيام القليلة المقبلة أن تبين وقع هذا التطور على القوى والتيارات المسيحية بشكل خاص واللبنانية بشكل عام، ولكن مما لا شك فيه ان هذه الحركة التي تبحث في تطوير اسمها من «حركة لبناننا» إلى «حركة لبنان الفيدرالي» (حلف) ستتعرض لانتقادات وهجومات عنيفة من بقية الأحزاب المسيحية، إما بفعل المنافسة، وإما بفعل الاعتراض الفكري. لكن يجب عدم الاستهانة بتأثيرها في الجامعات والنقابات والمغتربات، لأن مؤسسيها، وفي مقدمهم سامي الجميل، فرضوا وجودهم ضمن ما كان يسمى الحركة السيادية، من دون أية مساعدة سياسية أو مادية من أية مرجعية في لبنان أو خارجه، ولم يتمكن أحد من حذفها أو إلغائها.