برلين ــ غسّان أبو حمد
يصوّت البرلمان الألماني (البوندستاغ) اليوم على قرار «تاريخي»، هو مشاركة قوّة عسكريّة ألمانيّة في مناطق النزاع والحروب (القرار الدولي 1701). ويأتي هذا التصويت خلافاً للنصوص الدستورية التي قامت عليها ألمانيا الجديدة، والتي تقضي بالتزام الحيادية وعدم تصدير السلاح والجيوش إلى مناطق النزاع في العالم.
وتشير التوقعات إلى أن قرار المشاركة العسكرية يحظى بموافقة الأكثرية البرلمانية، بينما يلتزم اليسار الألماني وجمعيات السلام والدفاع عن حقوق الإنسان موقف الرفض، مقروناً بتحركات شعبية رافضة في محيط البرلمانوحاولت السياسة الألمانية في الأيام القليلة الماضية تعديل خطابها السياسي وتوجهاتها، لوقف حملة الاعتراض والحذر في الساحة اللبنانية. ذلك الحذر الذي تركه تصريح المستشارة أنجيلا ميركل بأن القوات الألمانية تقوم، عبر مشاركتها في تنفيذ القرار الدولي، بواجب حماية دولة إسرائيل والمساهمة في عملية السلام في الشرق الأوسط. وبدت ملامح هذا «التوازن» المدروس في السياسة الألمانية عبر تأكيد المستشارة ووزير الخارجية أهمية دور سوريا في عملية السلام في الشرق الأوسط، إضافة للّقاء المرتقب بين وزيري خارجية البلدين، الألماني فرانك شتاينماير والسوري وليد المعلم. وأكد وزير الدفاع الألماني سيادة الحكومة اللبنانية على أراضيها، ووصلت تصاريحه في حدها الأقصى إلى الإشارة إلى أن «تفتيش البواخر هو من صلاحية القوات البحرية الألمانية أما ملكية السلاح المصادر فتعود إلى الجانب اللبناني»!
ويبدو أن الحكومة الألمانية تتحدث بخطابين: الخطاب الأول، موجه إلى الداخل الألماني، لطمأنة الناخبين الألمان إلى أن القوات الألمانية تقوم بواجبها التاريخي لضمان أمن إسرائيل ووجودها (تكفيراً عن عقدة ذنب تاريخية)، والخطاب الثاني، موجه إلى العالم الخارجي وتحديداً لبنان وسوريا، ومفاده أن ألمانيا خرجت من دورها «المتفرج» وهي تقوم بواجبها كدولة كبرى لحل قضايا العالم استناداً إلى قرارات مجلس الأمن الدولي.
لكن خطة «التوازن الخطابي» لم تدم طويلاً، وخصوصاً أن التصويت البرلماني اليوم يفترض تغليب «واجب حماية إسرائيل» على «واجب تنفيذ القرارات الدولية»، طمعاً بالحصول على أكبر نسبة من أصوات الكتل النيابية، وخصوصاً اجتذاب أصوات النواب «المترددين» في صفوف المواقع «اليمينية»، كالحزب الليبرالي الديموقراطي. وهذا ما يؤدي إلى عزل اليسار الألماني الذي يبقى وحيداً في صف الرافضين المشاركة في تنفيذ القرار الدولي 1701.
وعليه، فقد كرّر وزير الخارجية الألماني فرانك شتاينماير في الجلسة البرلمانية الاستثنائية أمس تأكيده أن «إرسال القوات العسكرية الألمانية إلى الشرق الأوسط ينسجم مع التقاليد التاريخية للسياسة الألمانية، ومع صدقية ألمانيا الاتحادية التي تقضي بواجب الحفاظ على وجود إسرائيل وعلى المساهمة في عملية السلام».
وأشار الوزير شتاينماير إلى صيغة برنامج سلام مصغّر يقوم على قاعدة إعادة إحياء اللجنة الرباعية الدولية المؤلفة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وروسيا، التي سينتج منها في نهاية الأمر، مؤتمر لحل مشاكل الشرق الأوسط.
ومن الأمور اللافتة، أن اليمين الألماني ينقسم إلى قسمين: اليمين المؤيد الملتزم واجب حماية إسرائيل (التجمع المسيحي ــ الاشتراكي الديموقراطي الحاكم)، واليمين الرافض بحجة أن المشاركة العسكرية لا تكفي للقيام بواجب حماية إسرائيل (الحزب الليبرالي الديموقراطي). وعليه فقد تعرضت قيادة هذا الحزب إلى انتقادات عنيفة من المجلس اليهودي المركزي. وقال الأمين العام للمجلس اليهودي المركزي استيفان كرامر: «إن من يهتم حقيقة بحماية إسرائيل، فعليه تأييد دخول القوات الألمانية إلى المنطقة، لأن واجب الحماية لا يقوم من تلقاء ذاته ومن دون مشاركة فعلية حقيقية». ويضيف البيان: «إن الواجب التاريخي يفرض على ألمانيا المساهمة في حماية إسرائيل».