كامل جابر
ينطلق صدى هتاف البائعين في سوق خميس بنت جبيل، بعدما دمّر العدوان الإسرائيلي الأبنية والجدران التي كانت تحتضن السوق. فطوّقها الخراب المنتظِر أيادي الدولة لتربّت أكتاف أصحابها، وتعمِّر مثلما تعمر السوق كل خميس، منذ وقف العدوان، بالقادمين إليها ليعرضوا بضائعهم أو ليتسوّقوا. ويبقى الغائب الأكبر، بحسب التجار ورواد السوق، أبناء بنت جبيل، المدينة، الذين لم تعد لهم بيوت يقطنونها ليمارسوا حياتهم اليومية، ومنها ارتياد السوق.
إنه الخميس الأول بعد العدوان الذي يأتي فيه عبد دهيني من شرقي صور إلى السوق التي كان يأتيها ليعرض بضاعته. ويرى «أن حركة البيع خفيفة، بسبب غياب أهل المدينة وسكنهم حيث نزحوا، وبفعل الخراب والمعاناة الاقتصادية التي أتت من العدوان». ويضيف: «الأسواق متشابهة في الركود في مختلف مناطق الجنوب بعد العدوان، من سوق الاثنين في النبطية إلى سوق الأحد في قانا والسبت في جويا والجمعة في العباسية والاربعاء في البازورية والثلاثاء في أنصارية ومعركة. التراجع واحد بعد الحرب الإسرائيلية التي لم تستثنِ منطقة في الجنوب».
المسافة قصيرة تلك التي يقطعها نجيب غازي من بليدا (مرجعيون) إلى سوق بنت جبيل الأقرب إلى بلدته من مرجعيون، ليعرض بعض الفاكهة. يشكو أيضاً من غياب متسوقي مدينة بنت جبيل: «تبدّل كل شيء، فبدل البناء الذي كان يحيط بنا من مختلف الجهات، وعمران المحال والمؤسسات بأصحابها وأهلها، لم نعد نرى حولنا إلا الدمار والخراب. نتمنى أن يعود العمران إلى بنت جبيل وأن يعود أهلها إليها لتعمر بهم».
ينتشر البائعون في الشارع الرئيس وسط ساحة مدينة بنت جبيل، وصولاً إلى حدودها الشمالية الغربية. وكانت المدينة قد فقدت، بفعل العدوان، العشرات من محالها ومؤسساتها التجارية التي كانت تؤلف رادفاً طبيعياً واقتصادياً للسوق. منها ما دُمّر بالكامل ولم يعد له أي أثر، ومنها ما ترك العدوان بصماته المؤثرة في واجهاتها وأبوابها وبضاعتها، فأدّى إلى خسارة كبيرة لأصحابها.
السوق عامرة في المدينة، تدب فيها الحياة وفي حشد الشباب والمتسوقين القادمين إليها من قرى الجوار والقضاء. وشهدت زحمة سير خانقة، عمل مستخدمون في البلدية على تنظيمها. أما أعين من عاد إلى بنت جبيل من أبنائها، فعلى المساعدات والتعويضات القطرية التي تنوي إعادة اعمار المدينة، بعد إجراء مسحين للأضرار من مؤسستي «جهاد البناء» و«مجلس الجنوب».
ويقول النائب علي بزي بينما كان يجول في سوق الخميس: «سيختار القطريون الوسط بينهما، فيما الأفضلية عندهم للدفع عن الأضرار مباشرة، بعد تقديم اقتراح حول الاستفادة من برناج إعادة الاعمار بالتوافق مع متطلبات التنظيم المدني وحماية البنية التراثية المتبقية والمحافظة على الطابع الريفي. ويضفي ذلك مسحة جمالية، يمكن تحقيقها بعد هذا الدمار الشامل اللاحق بالمدينة، وهي فرصة يمكن استغلالها في عملية إعادة البناء الكلّي».