برلين ــ غسّان أبو حمد
وافق البرلمان الألماني (البوندستاغ) بالأكثرية المطلقة على قرار الحكومة الألمانية القاضي بتنفيذ القرار الدولي 1701 لوقف النزاع على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وحراسة الشاطئ اللبناني لمنع أعمال التهريب.
وباستثناء الكتلة اليسارية التي يتزعمها أوسكار لافونتين، وعمادها، حزب الديموقراطية الاشتراكية (الشيوعي سابقاً) ومجموعة التنظيمات والكتل المدافعة عن السلام وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى قسم كبير من نواب الحزب الليبرالي الديموقراطي، وافقت أحزاب التجمع الحاكم (المسيحي والاشتراكي الديموقراطي) وحزب الخضر على قرار مشاركة القوات الألمانية في تنفيذ القرار الدولي 1701 .
وبلغ عدد أصوات النواب المؤيدين 442 صوتاً مقابل 152 صوتاً للرافضين وخمسة أصوات امتنعت عن التصويت.
ولم تكن نتائج الجلسة البرلمانية التاريخية، (لكون ألمانيا تشارك لأول مرة في مناطق النزاع وعلى حدود إسرائيل) مفاجئة، بل أتت مطابقة للتوقعات، لكن المخاوف الشعبية من محاذير دخول ألمانيا إلى حقل ألغام المتطرفين وخروجها لأول مرة عن مبدأ «الحياد» الذي يفرضه دستورها، أديا إلى تظاهرات شعبية مواكبة للجلسة البرلمانية، بدعوة من اليساريين والكتل والجمعيات الرافضة، رفعت خلالها أعلام لبنانية. كما رفع بعض المتظاهرين شراشف بيضاء أمام عدسات التلفزة، كتب على بعضها، شعارات استنكار لخروج المانيا عن مبدأ الحياد وإعلانها رسمياً الدفاع عن وجود إسرائيل.
ووزع مناصرو الحزب الليبرالي الديموقراطي بيانات كتب عليها: «السياسة عوضاً من العسكر»، حددوا فيها أسباب رفضهم للمشاركة في القرار الدولي بحجة «خروجه عن مبادئ الدستور الألماني».
والملاحظ أن أكثرية النواب الألمان، وتحديداً كتلة حزب «الخضر»، جاء تصويتها الإيجابي على قرار المشاركة مخالفاً لكلماتها وخطبها أمام المذياع والتي استنكرت اعتماد ألمانيا نهج انحياز واضح لمصلحة السياسة الأميركية وحذرت من «عسكرة» ألمانيا، وهذا ما يؤكد وجود ضغوط دولية لتمرير القرار.
وركزت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل في كلمتها على الأبعاد التاريخية للمهمة الألمانية في الشرق الأوسط، وحاولت تبديد مخاوف المترددين بقولها إن الخطوة مدروسة وتمت بالاتفاق مع الحكومتين، الإسرائيلية واللبنانية، وإن الخيار العسكري عقلاني ولا بديل منه في المنطقة.
وركز أقطاب الحزب الليبرالي الديموقراطي، على تبرير رفضهم بأن استخدام الحلول العسكرية مخالف للتقليد الألماني. ويذكر في هذا المجال أن وزارة الخارجية الألمانية كانت لفترة طويلة بأيدي قياديين من الحزب الليبرالي الديموقراطي. فقد أكدوا أن رفض الليبراليين لا تعود أسبابه إلى رفض الخيار العسكري لحماية إسرائيل، بل إلى «كيف» تكون هذه الحماية. وقال رئيس الحزب الليبرالي فيسترفيلي: «ماذا لو هاجمت إسرائيل لبنان، هل نتدخل؟ هل يجب أن نتدخل؟ وهل نريد أن نتدخل؟». أما رئيسة حزب «الخضر» كريستين مولر فبددت مخاوف النواب المترددين خوفاً من احتمال صدام عسكري بين الجيشين، الإسرائيلي والألماني، فقالت إن مطلب تمركز الجيش الألماني في المنطقة هو لمصلحة إسرائيل.
أما على جبهة الرافضين الأساسيين، أي الكتلة اليسارية، فقد أكد كل من رئيس الكتلة أوسكار لافونتين ورئيس حزب الديموقراطية الاشتراكية لوتار بيسكي، أن الرفض هو ضد «سياسة التدخل» وضد احتمالات استدعاء الإرهاب إلى الأراضي الالمانية.
هكذا، وبعد موافقة الحكومة والبرلمان، يكون الضوء الأخضر ساطعاً، وقد بدأت القوة البحرية الألمانية برفع مراسيها باتجاه لبنان، وهي مؤلفة من 2400 جندي ينطلقون سريعاً على متن البوارج الحربية لحراسة الشاطئ اللبناني بطول 225 كلم. كل شيء محسوب بدقة: المهمة رسمياً لمدة عام واحد وقد تمدد لخمسة أعوام لاحقة. الشيء الوحيد الخاضع للارتفاع التدريجي هو التكلفة المادية لهذه القوة... ضابط بحري عالي الرتبة أكد رداً على هذا السؤال : «لم ننته من احتساب التكلفة النهائية للعام الأول. وصلنا إلى قيمة الحدّ الأدنى وهي 193 مليون يورو... وليس بإمكاننا تحديد قيمة السقف النهائي!».