جان عزيز
تحرص أوساط دبلوماسية ممثلة لدولة شرق أوسطية في بيروت على اشاعة أجواء من التفاؤل والارتياح الى تطورات الأوضاع اللبنانية كما الاقليمية، في المدى الزمني المقبل.
وتكمن أهمية هذه المناخات المعّبر عنها، في كون الأوساط المقصودة معنية عن كثب بهذه التطورات، ومنخرطة عبر دولتها في كل ملفات المنطقة الساخنة حالياً، لا بل في كونها جزءاً من عقدها ومقارباتها وحلولها.
وتبدأ هذه الأوساط قراءتها التفاؤلية في لبنان، مشيرة الى ان موازين القوى العسكرية كما السياسية، المحلية كما الخارجية، التي انتهت اليها حرب 12 تموز، تسمح الى حد كبير بالجزم بأنها آخر «الحروب اللبنانية». وذلك على عكس ما يشيعه بعضهم في الداخل اللبنانية، أو يتوقعه أو يتخوف منه بعض آخر في إسرائيل. وفي هذا السياق تعتبر هذه الأوساط أن الحرب الأخيرة هذه أنضجت في الداخل اللبناني توازنات راسخة, يبدو من المستحيل القفز فوقها لاحقاً.
فلجهة الموقف الدرزي ثمة «عقلانية» نسبية ملحوظة في مواقف وليد جنبلاط، مقارنة بما كان قد بلغه سابقاً من اتهامات الى «سلاح الغدر»، وما استتبعه من مواقف وتشنجات. هذا فضلاً عن محاولات جنينية لاعادة فتح خطوط التواصل بين المختارة والضاحية الجنوبية، والتي تبدو راهناً في حال من «التواصل المتقطع». الا أنها تظل تشكل عاملاً إيجابياً في استقرار الوضع اللبناني الداخلي.
أما لجهة الموقف السني الأكثري، فثمة ادراك كامل لاستحالة الرهان على بعض المواقف الاقليمية أو الغربية، لاستكمال وضع اليد على مختلف مؤسسات السلطة في لبنان ومفاصلها. بدليل هشاشة تلك المواقف بالذات، واضطرارها الى التلوّن والتبدل بعد أيام قليلة على بدء الحرب الماضية.
وتتابع الأوساط نفسها قراءتها لعوامل الاستقرار المستجدة لبنانياً، فتتوقف عند إجتياز «حزب الله» لأقسى إمتحاناته الوجودية، في شكل متزامن مع أكبر اندفاعة لبنانية له، شكلاً ومضموناً، لغة وخطاباً ورموزاً وشعارات. وفي هذا المجال تضيف هذه الأوساط ارتياحها الى مواقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في شكل عام. وتلاحظ أنه رغم كل طقوسيات المقاربة السياسية التي يعتمدها فريق الأكثرية حيال بري، يظل الرهان رابحاً على ذكاء رئيس حركة «أمل»، الذي يعرف أين تكمن حقيقة شرعيته وتمثيله، كحركة حزبية وكنائب وكرئيس للندوة النيابية. وتعتبر هذه الأوساط أن هذا الرهان الأساس هو ما يعوض ملامح اللغة الخشبية جزئياً، والتي يلجأ اليها في الآونة الأخيرة، بعض معاوني بري الأساسيين. هذه اللغة التي تتراوح بين كلام لا يفهم منه شيئاً لدى أحدهم، وبين دفاع عن الوضع الحكومي الراهن لدى آخر. غير أن الحساب الفصل، وفق الأوساط نفسها، يظل في تيقن بري من أن المبتغى والمصلحة العامة في مكان آخر.
وتختم هذه الأوساط بالاشارة الى نجاح ميشال عون في تخطي العاصفة التي أثيرت ضده مسيحياً، وفي الصمود في وجهها، والخروج منها من دون أن يتمكن أي من أخصامه من تحقيق أي رصيد على حسابه. وهو ما باتت مقتنعة به كل الجهات الدبلوماسية المعنية بالوضع اللبناني.
وبالانتقال الى الوضع الاقليمي، تلاحظ الأوساط الدبلوماسية الشرق أوسطية، بأن الرهانات على تطورات أو تغييرات سورية، من أجل احكام الحصار على الواقع اللبناني، ضرب من الوهم، وذلك لسببين: سوري أولاً، ولبناني ثانياً. فدمشق اجتازت نقطة قعرها الانحداري منذ فترة طويلة نسبياً، واحتمالات الأسوأ باتت خلفها لا أمامها. أما «حزب الله» تحديداً، وهو المقصود بنظريات «الحصار»، فلم يكن في أي يوم من الأيام مسلساً قراره لسوريا، وفق الأوساط نفسها.
وتنهي المصادر الدبلوماسية قراءتها بالكلام عن «المسألة الإيرانية». فتعتبر أن هذا الملف بات على وشك أن يشهد تطورات إيجابية مثيرة. لافتة الى أن «عقلنة» أميركية واضحة قد سجلت على هذا الصعيد بعد الحرب اللبنانية الأخيرة. وهذا تطور ترصده قنوات الرسائل الجدية غير المباشرة، وإن لم تعكسه أدبيات الكلام الرسمي المعلن بين الطرفين. وتضيف هذه الأوساط أن سلة الحوافز الأوروبية المقدمة الى طهران في إطار التفاوض الدولي معها لوقف تخصيب الأورانيوم، باتت للمرة الأولى تمثل خطوة جدية للحوار وحتى الاتفاق. وهي بناء على ذلك، لا تستبعد ان تخرج إيران خلال فترة زمنية قصيرة بإعلان حول إتفاق أولي مع الغرب، عبر القناة الأوروبية، لوقف ما في ملفها النووي.
وفي كل حال فإن مثل هذا القرار يشكل تطوراً إيجابياً جداً في العلاقة الإيرانية ـ الغربية، من دون ان يجعل من طهران أسيرة أي موقف. ذلك ان العودة عنه تظل متاحة عند أي انتكاسة تصيب المسار التفاوضي المنتظر ان يكون طويلاً جداً بين الطرفين.
بإختصار، كيف ترسم هذه الأوساط صورة الغد؟ تجيب بثقة: أن الشرق الأوسط يتجه الى مرحلة من الهدوء والاستقرار الجديين والطويلي المدى. وماذا عن لبنان إذن؟ يفترض أن يكون على السكة نفسها، الا اذا كان ثمة في مواقع القرار، من لم يفهم.