ابراهيم الأمين
يتجه لبنان صوب مواجهة داخلية قاسية. لا أحد من الأفرقاء الأساسيين يريد التنازل. فريق الأكثرية يخوض سباقاً مع الوقت. و كلمة السر هي “حصّلوا ما تناله أياديكم خلال ثلاثة أشهر”. لكن ثمة شكوكاً في إمكان التوصل الى حل يرضي الجميع قريباً. لا الأفرقاء في هذه الأجواء ولا من هم وسطاء يظهرون تفاؤلاً بقرب التوصل الى نتائج إيجابية، والكل مجمع على أن البلاد مقبلة على مرحلة في غاية الحساسية قد تكون أولى نتائجها الدخول في الفوضى إذا نجح مشروع إسقاط الحكومة.
بالنسبة إلى فريق الأكثرية، الكلام معروف سلفاً، ويقوم على قاعدة أن كل من يعارضها هو حكماً ضمن الفريق الآخر، الذي يعمل تحت خيمة المحور الإيراني ـــ السوري، وبالتالي فإنه لا مجال لتسوية مع هؤلاء إلا من ضمن تسوية خارجية، وهو الكلام الذي نقل عن مسؤول رفيع في دولة عربية تدعم الأكثرية، وردده أقطاب من هذه المجموعة أخيراً، تحت بند أن الحوار العربي ـــ الإيراني هو مدخل ضروري للتسوية الداخلية. وهذا الفريق من الأكثرية لا يمكن أن يعيش على تسوية داخلية لأنها سوف تظهره فاقداً الدور والموقع المؤثر في صلب المعادلة السياسية، فتراه مضطراً إلى رفع منسوب التدخل السوري ـــ الإيراني ليبرر لنفسه ولفريقه التورط أكثر في الالتصاق بالمحور الأميركي ـــ الفرنسي المستند الى دعم بعض الدول العربية.
ويبدو أن “ثوابت فريق الأكثرية الحاكمة” ومعه الولايات المتحدة تتركز الآن على أمرين: الأول يتصل بسلاح المقاومة لناحية ممارسة المزيد من الضغط لتحييده و تعطيله اذا تعذر نزعه، والعمل على منع تطويره أو زيادة حجمه، وكذلك حماية الحكومة الحالية من السقوط ولو تطلب الأمر العمل على فك تحالفات الفريق المعارض لها. والثاني يتعلق بالمحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو الملف الأكثر حساسية كما قال ذلك صراحة السفير الأميركي في لبنان جيفري فيلتمان أمام شخصيات سياسية محلية، موضحاً لها أن “إقرار المحكمة الدولية يمثل ضرورة لا حياد عنها، وأن الضمانة بأن هذه المحكمة سوف تكون نزيهة تنطلق من نزاهة المحقق الدولي الحالي سيرج براميرتس الذي يختلف عن سلفه ديتليف ميليس الذي خالف الحقائق” على حد ما قال السفير فيلتمان.
لكن ماذا عن الفريق الأكثري؟
سليمان فرنجية، أحد أقطاب المعارضة القائمة الآن بوجه الأكثرية الحاكمة، لا يزال يحتفظ بتوازنه السياسي بالرغم من كل الضغوط التي يتعرض لها منذ الانتخابات الأخيرة. فلم يؤثر التزوير في التمثيل السياسي في شعبيته، ولم تنفع الضغوط عليه في ثنيه عن موقفه. حتى الإغراءات التي بدأ يقدمها “المندوب السامي” الأميركي لن تجعله يتراجع عن قناعات عامة سوف يعبر عن أحد أوجهها من خلال مشاركته وجمهوره الكبير اليوم في مهرجان المقاومة “الى جانب السيد حسن الذي لن نبتعد عنه لحظة”. فرنجية الذي يمثل حيثية مختبرة في أكثر من مناسبة، يعرف أن المطلوب الآن هو إعادة التوازن الى الحكم، وأن الأمر يجب أن يتم بأشكال مختلفة ولكنه لا يفترض وجود خطة جاهزة بعد. علماً أنه سبق أن أجرى خلال الأسابيع القليلة الماضية سلسلة من المشاورات “الرفيعة” مع كبار الحلفاء في بيروت ودمشق.
في الملف الحكومي، والملف الرئاسي، والملف التمثيلي العام، ينطلق فرنجية من قراءة واقعية تقول إنه جزء من التمثيل المسيحي في بلد محكوم بقواعد طائفية، لكنه جزء من حالة سياسية عامة تقول إن المقاومة خيار حقيقي له أسبابه الداخلية والإقليمية، التي توجب استمراره. وهو عندما يستعرض الواقع الداخلي لا ينسى لحظة ربط الأمور الاستراتيجية في البلاد بما يجب أن يكون عليه موقف حليفيه الأساسيين: العماد ميشال عون والسيد حسن نصر الله.
بالنسبة إلى رئاسة الجمهورية، يقول فرنجية بلغة لا تقبل النقاش: العماد عون هو مرشحنا الوحيد للرئاسة، وليس لدينا مرشح تسوية، وهذه المعركة إما نربحها نحن وإما يربحها الخصوم، أنا أفضل أعتى الخصوم إذا كان لديه حساسية مسيحية على أي من المرشحين المقترحين للتسوية ما دام كل هؤلاء سوف يلتحقون في نهاية المطاف بتحالف يقوده آل الحريري.
بالنسبة إلى الحكومة، فإن فرنجية يظن أن المهم ليس الحصول على هذا العدد أو ذاك من الوزراء لأن الأمر يتعلق بالسلطة ككل. إما أن تكون متوازنة وإما تظل محكومة من قبل هؤلاء.
بالنسبة إلى المقاومة وسلاحها، فإن فرنجية يعتقد أن هناك الكثير من الأسباب التي توجب الاحتفاظ بها وبسلاحها فهناك احتلال قائم، وهناك أسرى وهناك تهديد، وهناك أيضاً الحاجة الى تطمين جدي لقوى المقاومة التي تحتاج إليه فعلاً وليس قولاً.
أما عن الانتخابات النيابية، فإن لدى فرنجية قراءة تشي بما يراه الأهم في المرحلة المقبلة. فهو أولاً “يعتقد أن التوافق الوطني والتعايش محكوم بإرادة سياسية وليس بقرار إداري. وها إننا في هذه المنطقة على تحالف وثيق مع قوى سياسية تتواجد في الجنوب وبيروت والبقاع. علماً أن مصلحتنا الانتخابية تفرض علينا ربما التحالف مع قوى لها نفوذها هنا في الشمال. ولكن الأمر الأهم هو المتصل بالواقع التمثيلي للمسيحيين، إذ إن القانون الانتخابي هو الأمر المحدد، لأن المسيحيين لا يمكنهم أن يقبلوا بأي قانون من شأنه تهميشهم وإخراجهم من دائرة القرار وجعلهم ملحقين بهذه القوى أو تلك. وفي هذا المجال فإن المعركة على القانون الانتخابي هي الأهم، ونحن نعول على حليفنا القوي حزب الله في هذه المعركة، ونرى أن لا أحد يستطيع أن يوافق على تمييز كما حصل سابقاً. نحن نقبل بأي قانون يساوي بين الجميع من دون استثناء، بين كل المناطق وكل الطوائف. ونرى حتى اللحظة أن الأفضل هو العودة الى قانون عام 1960، وليس الى أي قوانين أخرى أو اعتماد النسبية علماً أن هناك كثيرين لا يريدون هذا القانون”.
على أن فرنجية الذي لا يرى موجباً لأي توتر مع قوى الأكثرية، ولا حاجة الى مساجلتها حيث هي في أزمتها، يعتقد أن هناك الكثير من العمل خلال الفترة المقبلة، وأن الجميع سوف يكون منخرطاً في المعركة، وأنه من“الخطأ الاعتقاد بإخراجنا من تحالفاتنا، فنحن كل لا يتجزأ وأنا أتصرف على هذا الأساس”.