غسّان سعود
المشهد نفسه تكرّر على طول الطرقات المؤدية إلى ساحة «مهرجان الانتصار». زحمة سير، آلاف من عناصر الانضباط، شمس حادة، ضيق يدفع الوافدين للسير عشرات الكيلومترات للوصول إلى الساحة التي بدت للوهلة الأولى عصية على الامتلاء. حملوا الرايات الصفراء والخضراء والبرتقالية، وتقاسموا صور السيد حسن نصر الله كأنها أغلى ما يملكون.
كلّ من شاهدهم أو سمعهم أو مشى معهم من مناطقهم البعيدة إلى الضاحية، أدرك ثبات إيمانهم بأن نصرهم من الله. للعونيين، كان السيد صورة مستحدثة للعماد ميشال عون. وللشيوعيين كان غيفارا جديداً، فعلت صوره فوق الأعلام الحمراء والبرتقالية. ولشعب المقاومة، كان السيد هو "الوعد الصادق"، فهتفوا دون كلل، وأفرجوا عن ضيقهم من "استفزازات الأكثرية" وحاولوا إيصال أصواتهم إلى مختلف زوايا بعبدا وعاليه. ونال أحمد فتفت، وزير الداخلية بالوكالة نصيبه فغمز كثيرون من قناته قائلين: «شاي شاي مرجعيون».
ورغم رفع البعض أعلام حزبه وصور زعمائه، فإن الشغل الشاغل للجميع كان رؤية السيد حسن نصر الله وسماعه والاطمئنان إليه. وحين تخفت همة البعض، كان يكفي همس عبارة "لبيك نصر الله" حتى يشتعل الجمهور من جديد، وتتحرك مئات آلاف السواعد الأنثوية والرجولية بلحظة واحدة، لتبايع نصر الله، الزعامة.
وفي الساحة، كما في سائر الطرقات المؤدية إليها، ارتفعت صور السيد نصر الله والعماد ميشال عون. وبدا أن جمهور المقاومة أكثر حماسة من جمهور التيار الوطني لـ"إسقاط الحكومة" و"انتخاب عون رئيساً للجمهورية". وغابت صور الرئيس السوري بشار الأسد والأعلام الإيرانية من الساحة التي توزّع "رجال المقاومة" أو "رجال الله"، كما نعتهم الجمهور، فوق سطوح بناياتها وظللوا بخيالاتهم أطرافها. وأسدلت حول المنصة ستائر جلدية لمنع الاستهداف البعيد أو رؤية المتكلمين، إلا ضمن مسافة محددة توزع فيها وحولها مئات عناصر الانضباط.
واستعاض الجمهور عن "الشعارات المعلبة" و"اللافتات الجاهزة"، بأخرى كتبوا عليها بأياديهم شعارات يحبونها، أو عبارات من أغاني حفظوها مثل "روحي فداك نصر الله" و"نصرك هز الدني". إحدى السيدات رفعت لافتة "إنه لبنان أيها الأغبياء"، أما زميلتها فضمت بيد صورة ابنها الشهيد في معارك مارون الرأس، وباليد الأخرى علم حزب الله.
وفي زاوية أخرى، رفع أحدهم صورة الجنود الإسرائيليين المكسورين وقال إن أسفه ليس على ما خسره في الحرب، بل على ما تحاول الحكومة اللبنانية أن تخسره بالسلم. وبدا لافتاً لجوء البعض إلى قراءة الأوراق التي وزعها حزب الله لترداد النشيد الوطني اللبناني فيما بُحت حناجرهم أثناء ترداد نشيد حزب الله. حتى الرئيس الفنزولي هوغو تشافيز تحول بين الجمهور إلى قائد وزعيم قومي، أما وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس فكانت العدو الأول للجماهير على الصعيد الخارجي. فشُتِمَت زائرة لبنان أيام العدوان وطالب كثيرون بمحاكمتها.
وكان حزب الله واجه إرباكاً كبيراً على الصعيد الإعلامي، ربما بسبب دمار مكتبه الإعلامي وضغط الإعلاميين المفاجئ، علماً أن أربعمئة وسيلة إعلامية تابعت المهرجان. فاضطر الإعلاميون إلى قضاء ساعات طويلة في انتظار الحصول على البطاقات الإعلامية التي تمكنهم من التحرك بحرية في ساحة المهرجان، لكن معظمهم لم يحصل على بطاقته، واضطر إلى ملازمة مكانه في الداخل. وكان عدد كبير منهم يردد أغاني حزب الله رغم اختلافه مع الحزب سياسياً. كما كان توزيع المياه دون المستوى المطلوب، وعانى كثيرون نقص المياه، فيما بقيت عائلات الشهداء التي وفدت باكراً للحصول على مقاعد في الصفوف الأمامية، دون حماية من الشمس، في وقت عجز فيه عناصر الهلال الأحمر عن التحرك في الساحة التي اكتظت بشكل فاق توقعات المنظمين.
ووسط إطلاق المفرقعات والرصاص، وتطاير آلاف البالونات الملونة في سماء الساحة، ومبايعة عريف الحفلة والجمهور السيد حسن نصر الله زعيماً للأمة العربية، أطل السيد.
فكان الأمر فريداً، استثنائياً. بدا شعب المقاومة مجنوناً بعشق قائده، فتلألأت الدموع على الخدود، وسط الهتاف المفعم بالحماسة "لبيك نصر الله". حتى الصحافيون الأجانب تدافعوا باتجاه النقطة الأقرب لعيونهم. وفي دقائق احتلت الأعلام الصفراء جميع الشرفات المطلة والأشجار، ليثبت "أهل المقاومة" أن "قلب وعقل وروح الشعب فداء النصر"، نصر الله.