مهى زراقط
“السلام عليكم يا أشرف الناس”، قال السيّد، ولم يستطع أن يخفي غصّة في صوته.
بكى الناس، وتحدّثوا عن “اكتشافهم” لتلك الغصّة، كما حلّلوا سببها: “هو مشتاق إلينا كما نحن مشتاقون إليه”، يقول الشاب القادم من بعلبك بثقة، بعد أن يأخذ استراحة قصيرة من التلويح بقبضة يده والهتاف لـ“أبو هادي”. أما الرجل الخمسيني فقد ترك العنان لدموعه لتغسل وجنتيه مع سماعه تحية سيّد المقاومة. والسيدة التي وجدت نفسها وحيدة بين مجموعة من الرجال، فقد حظيت بمكان يمكّنها من رؤية السيّد، وراحت تتمتم كلمات قالت إنها أدعية ليحميه الله ويعود بالسلامة إلى بيته.
لم يخطئ الشاب التقدير. شعب المقاومة “يشعر” بسيّدها الذي بدا مشتاقاً بالفعل إلى مناصريه. قال ذلك في كلمته “قلبي وعقلي لم يسمحا لي بأن أبقى بعيداً”. لكنه كان واضحاً أيضاً من خلال تقدّمه للمرة الأولى في احتفالات “حزب الله” خطوات نحو الجمهور قبل التوجّه إلى المنصة، والبقاء لدقائق وسط الحشود ملوّحاً بيديه في كل الاتجاهات مع سعادة بدت واضحة على وجهه.
السيّد كان يرغب في توجيه رسائل سياسية من خلال المهرجان. لكن الواضح أنه كان راغباً أكثر في لقاء الناس. لم يفوّت فرصة أو جملة يستطيع من خلالها أن يشكرهم على صمودهم وحبهم له وللمقاومة إلا واغتنمها. قال أكثر من مرة “أدهشتم العالم بصمودكم”، “لقد جاء الكون كلّه وصمدتم”، وأكدّ التزامه أمامهم: “أعاهدكم يا شعب لبنان الوفيّ والعظيم أني لا أطمح أن أختم حياتي بالخيانة بل بالشهادة”، والأهم حين طلب الاعتذار ممن أهانهم ووصفهم بـ“عدم التفكير”.
الناس بدورهم كانوا يرغبون في رؤيته. حضروا من كل لبنان تلبية لدعوته الشخصية لهم. من حظيت برؤيته قلة وصلت قبل الساعة الواحدة ظهراً، ومن وجد له مكاناً في الساحة المخصصة للاحتفال وصل قبل الثالثة، وكلّ من وصل بعد هذا الوقت ملأ الشوارع والأحياء المحيطة بساحة الاحتفال.
ولأن قلة استطاعت رؤية السيّد، فإن كثيرين رغبوا في إيصال رسالة إليه «هلا أجريت معي مقابلة صحافية؟ أريد أن أقول للسيّد إنّي أحبّه». «لم أتمكن من رؤيته لكنه موجود في القلب».
هذا الحب الكبير لسيّد المقاومة تُرجم في الهدوء الذي سيطر على الحشود مع إلقائه لكلمته، فلم يتدخلوا إلا عند الضرورة مستنكرين ذكر بعض الشخصيات السياسية، أو مرحبين ببعض المواقف. ولم ترتفع الأصوات بشكل لافت إلا مع إعلان نصر الله أن المقاومة تملك “أكثر من 20 ألف صاروخ، وهي اليوم أقوى من أي وقت مضى”.
في ختام الكلمة، يهنئ السيّد نصر الله الجماهير بقدوم شهر رمضان، يكرّر شكره لـ“أشرف الناس” مجدداً... ولا يغادر مباشرة. يبقى على المنصة ملوّحاً بيده إلى أن تقفل ستارة بيضاء وضعت فوق الزجاج العازل، فيختفي. ومع اختفائه تخرج عشرات المواكب السيّارة من أكثر من مكان ومبنى في الساحة.
بعضهم يحاول أن يراه خلال مغادرته. منهم حيدر، ابن الحادية عشرة الآتي من الناقورة الذي كان يلحق بكل موكب يمرّ أمامه ويقول “هذه سيارة السيّد، دعوها تمرّ دعوها تمرّ” مرسلاً قبلات في الهواء إلى من يستقلّها.
بإمكان كثير من السياسيين أن يروا أن مهرجان الانتصار رسالة سياسية إليهم، لكنه بالنسبة إلى شعب المقاومة يوم اللقاء بالسيّد الذي اشتاقوا إليه واشتاق إليهم، “وذهب قبل أن نشبع منه، فهل سيطلّ علينا في يوم القدس؟”.



باترلي كانت هناك

غويفا باترلي، الصحافية الإيرلندية والناشطة في مجال حقوق الإنسان التي واجهت رئيس الوزراء البريطاني في 12 من الشهر الجاري لدى زيارته لبنان، كانت مشاركة في مهرجان الانتصار. لم تستطع الوصول إلى الساحة التي أقيم فيها الاحتفال، فبقيت عند الحدود الخلفية.
النسوة قرب جامع الإمام القائم عرفنها، رغم ارتدائها الحجاب، فحملنها على أكتافهن، ورحن يهتفن لها «vive vive irlanda».