حسن عليق
على طريق فردان، يصعد شرطي مرور وزميل له يحمل بندقية في سيارة الأجرة، يترجلان عند مقصدهما من دون أن يدفعا الأجرة للسائق. أسأل الأخيرَ مستغرباً عن سبب ما حصل، يجيبني بأنهم لا يدفعون وهو لا يطالبهم، طمعاً بأن يتذكروه في حال قيامه بأي مخالفة، حينها سيصفحون عنه حتماً.
ليست هذه بالطبع حال كل رجال الأمن في لبنان، لكنها ظاهرة تستحق الوقوف عندها، وخاصة إذا ما أضفناها إلى المخالفات اليومية التي نشاهدها في الشوارع لرجال قانون يسيرون عكس السير أو يركبون دراجات من دون لوحات تسجيل ودون التزام بقانون يطبقونه أحيانا كثيرة على المواطنين.
أحد رجال شرطة السير على أحد تقاطعات شارع الحمرا، يذكر بعدما رفض الكشف عن هويته، أنه يلاحظ مخالفات من المدنيين والعسكريين ولكنه يغض النظر، وبخاصة عن العسكريين، “لكونهم زملائي وما إلي عين”. مخالفات رجال القانون متعددة حسب الشرطي المذكور، تبدأ باستنسابية تطبيق القانون ولا تنتهي بالمخالفات الشخصية. في إحدى المرات، يروي لنا الشرطي، قامت إحدى السائقات بمخالفة إشارة المرور، قمت بإيقافها فشتمتني ورفضت تزويدي بأوراق السيارة، اتصلت ــ حسب التعليمات ــ بالدراج وبالدورية، وعندما وصلوا قامت بشتمهم أيضاً ورفضت التوجه معهم إلى المخفر. لم يقوموا حتى بتسطير مخالفة بحقهالكونها “طيبة” على حد تعبيره. يضيف: إذا هم لم يبالوا، فلماذا أبالي؟ هم لم يطبقوا القانون، وهذا بحد ذاته مخالفة. أثناء حديثي مع الشرطي، مرت أمامنا دراجة من دون لوحة تسجيل يقودها شرطي بلباسه الرسمي، لم يلتفت، وعندما سألته أجاب بأنه لا يقوم بتسطير مخالفات بحق أحد لأنه حالياً غير مكلَّف بذلك لأن أوامر قائد السرية تحصر مهامه بتنظيم المرور. إذا بدّك، أنا إشارة ضوئية. من جهة أخرى، يؤكد الشرطي ما ذكره سائق التاكسي، فهو أحياناً لا يدفع لسائقي سيارات الأجرة مقابل نقلهم له، ويزيد أنه أحياناً يحاول الدفع لكنهم يرفضون ذلك. يفسر محدثنا هذا الأمر بأنه رغبة من السائق بفتح علاقة مع الشرطي لتمرير مخالفة السائق – عند حصولها ــ من دون عقاب، ويؤكد محدثنا أن هذا الأمر ليس رشوة! أحد أسباب عدم تطبيقه للقانون هو عدم احترام الناس له، على حد تعبيره: الناس يعلمون أنني لا أستطيع إيقاف مخالف “مدعوم”، كما أنني سمعت أخيراً أكثر من شخص يقولون لي عندما أوجه لهم ملاحظات: لماذا لا توجه ملاحظاتك لمن قدم الشاي في مرجعيون؟
زحمة سير في شارع بلس،تبدأ من أمام مستشفى خوري حتى ما بعد منزل الرئيس فؤاد السنيورة. يبدأ سائق الأجرة بكيل الشتائم للشرطة ويحملهم مسؤولية الزحمة. أكيد، يقول السائق، “بدن ياكلوا، عم يطعموهن، لو انني توقفت في مكان ممنوع الوقوف فيه لما تركوني قبل أن أدفع بدل مخالفة يعادل يوميتي و أكثر”. أنزل مستطلعاً، ثلاثة خطوط من السيارات تقف في بعض الأماكن أمام محلات في الشارع المذكور. يذكر رائد، أحد العاملين في محل في شارع بلس، أن التوقف لأكثر من صف واحد من السيارات ممنوع في الشارع، وخاصة أن الشارع ضيق، وهو ما يسبب زحمة سير خانقة، وخاصة بعد بدء العام الدراسي.
يضيف رائد أن رجال الشرطة في شارع بلس يسمحون بتوقف السيارات أمام المحلات “المدعومة”. نسأله عن ماهية الدعم المذكور، يجيب مبدياً استعداده لكشف الأسماء في حال الحاجة لذلك: يتفق صاحب المحل مع الضابط المسؤول عن السير في المنطقة بأن يتغاضى رجال الأمن عن المخالفات المرورية أمام المحل مقابل تأمين طلبات الضابط المذكور بشكل مجاني. يضيف رائد: “بصراحة، نقوم برشوة الضابط حتى نسترزق، وكذلك الأمر بالنسبة للعناصر في الشارع”. لم يكد رائد ينهي كلامه حتى أتى دراج، أخذ كيساً من رائد وركب دراجته ومضى، من دون الالتفات إلى السيارات المتوقفة أمام المحلات والمسببة لزحمة السير. أسأل رائد عن الأمر فيجيب: “هيدا المعلوم”، أسأله التوضيح، فيقول إن هذا الشرطي كان قد مر منذ نصف ساعة وطلب طلبية فقام رائد بتجهيزها، وحضر الآن لتسلمها وطبعاً من دون مقابل مادي.
شرطي آخر في أحد شوارع بيروت، رفض كذلك الكشف عن اسمه، أفاد بأنه يصادف يومياً زملاء له مخالفين للقانون، لناحية قيادتهم لدراجات غير قانونية أو مرورهم عكس السير أو تخطيهم للإشارة. يفيدنا رجل القانون بأنه يقوم عادة بغض النظر عن مخالفات زملائه، إلا في الحالات القصوى، كالحادثة التي قام خلالها بمنع زميل له، أعلى رتبة منه، من المرور عكس السير. يقول الشرطي إن القانون يجب أن يطبَّق على كل اللبنانيين بالتساوي، ابتداء من رئيس الجمهورية، ولكنه، وبعدما تعرض لعقاب من رئيسه بعد توقيفه لسيارة مخالفة سائقها “مدعوم ويخص المعلم”. يقول إنه منذ ذلك الحين يتلافى تسطير مخالفات بحق المواطنين المخالفين. يفيدنا الشرطي بأنه يمنع على رجل القانون مخالفة السير إلا في حالة الضرورة القصوى كالمطاردة أو إسعاف جريح، وكذلك الأمر بالنسبة لإطلاق بوق السيارة أو الدراجة، حتى أثناء الخدمة.
نسأله عن كيفية معرفة المواطن، في حال إزعاجه من قبل رجال الأمن، بإمكانية كون هذا الإزعاج “مشروعا” أم لا، يجيب بأنه على المواطن التقيد بتعليمات رجال الأمن حتى لو كانت على شكل بوق سيارة أو دراجة، وعندما يسمع المواطن الصوت المزعج عليه التوقف جانباً، وإذا تبين له أن هذا الأمر “تشبيح” يمكنه أن يشتكي للاستقصاء، مجرد الاتصال بثكنة الحلو، وتتم متابعة الأمر ومعاقبة الشرطي في حال التأكد من المخالفة.