فداء عيتاني
على الرغم من القرار الذي سبق أن اتخذته القوات اللبنانية بعدم استخدام الرموز الدينية (الصليب المجوف) والثياب العسكرية، إلا ان قاعدة القوات الشبابية اندفعت تحمل أعلاماً بصليب مجوف وقمصان سوداء طبعت عليها صور مار شربل، وارتدوا سراويل عسكرية كاكية، فكان الطابع العسكري والديني غالباً، ومن لم يحمل علماً قواتياً أو يرتدي ثياباً كاكية اللون، أو أحذية عالية وعسكرية باللون البيج، ارتدى في عنقه صليباً مجوفاًمنذ الصباح الباكر كانت الباصات تنقل الوافدين من المناطق، وضاعت الباصات تحت أعلام القوات اللبنانية البيضاء، الطرق أُغلقت، والتنظيم الفعلي تُرك لقوى الأمن الداخلي، وساعدها في بعض الأماكن عناصر من القوات، وعند مفترق بكركي أُغلقت الطرق تماماً أمام الباصات، عمليات نقل الوافدين تمت في باصات مخصصة لنقلهم الى كنيسة البازيليك وسيدة حريصا، ومن الاحتشاد من المناطق بدا واضحاً ان القوات اللبنانية نظمت ماكينة واسعة. اليوم ليس فقط يوماً لشهداء القوات، اليوم يشبه الى حد بعيد يوم المقاومة اللبنانية الذي أطلقته القوات اللبنانية قبيل نهاية الحرب حين كانت الميليشيا المسيحية في عز تنظيمها وضخامتها.
في الشوارع الداخلية لقرى مسيحية عدة رفعت شعارات “وتبقى القوات درع المسيحيين”، “لولا شهداء القوات لمرت طريق القدس من جونيه”، والشعار الأخير رفع في إحدى القرى القريبة من جونيه.
كنيسة البازيليك الكبيرة والمصممة كسفينة، رمزاً للخلاص الذي يناله من يركب سفينة الرب، خصصت بأكملها للرسميين وأهالي شهداء القوات اللبنانية، بعض الأهالي راح يبحث في عشرين لوحة كبيرة ضمت أسماء ألف من الشبان عن أسماء إخوة أو أقارب لهم، وينتظر الحشد من الصباح الباكر وصول الشخصيات الرسمية والتصاق عقارب الساعة عند الظهيرة لبدء القداس الذي تأخر نظراً إلى الازدحام الذي منع ممثل البطريرك نصر الله صفير من الوصول.
أركان 14 آذار أبطال هذا الحشد المتجمع في الكنيسة الذي كان يرحب بهم كلما أطل أحدهم بالتصفيق، إلا ان الأبطال الفعليين هم قادة القوات اللبنانية، جورج عدوان، إيلي كيروز، مي شدياق، وأما سمير جعجع وعقيلته ستريدا فلهما التصفيق الأكبر الذي يأخذ نغمة محددة.
الاجراءات الأمنية المرافقة أكثر من عادية، التنظيم متوسط، لا يسهّل كثيراً الحركة ولا يسمح بإخلاء سريع للمكان، الوزيرة نايلة معوض وصلت على متن دراجة نارية لقوى الأمن الداخلي، حتى لا تتأخر عن الموعد.
نبض التحدي واضح لدى الجمع، “كلهم لبنانيون” تقول المسوؤلة الاعلامية أنطوانيت جعجع، “لا سوريين ولا غيره”، الحضور بمجمله من المناطق المسيحية، من القرى التي نظمت نفسها، ولكن لم يمكن جمع الحشد في صورة واحدة: تجمع في الساحة المقابلة لسيدة حريصا حيث ألقى لاحقاً جعجع كلمته، وآخر أمام مدخل كنيسة البازيليك، وعلى الطريق حشد متحرك نزولاً نحو بكركي وصعوداً الى ما بعد حريصا، يصعب تقدير الرقم، إلا ان استهداف رقم 50 ألفاً الذي تسرب من مصادر للقوات لا يبدو أبداً مجافياً للحقيقة.
اجتمع العصب هذا على كلمة سمير جعجع، النحن هنا حين يلقيها جعجع بين أنصاره لم تعد تعني القوات، أصبحت أوسع لتضم المسيحيين، وحين يخاطب المسيحيين فهو يخاطب جمهوراً شاباً بأغلبه، فالتجمع الكبير الذي أتت به القوات ضم عائلات وأطفالاً، إلا ان غالبه الأعم من الشبان الذين ربما ولدوا مع نهايات الحرب الأهلية، والذين لا يعرفون عنها إلا ما سمعوه، وحين يخاطبهم جعجع في بداية كلمته متحدثاً عن الظلم فإنه يذكرهم بأيام كانت مخيفة بالنسبة إليهم، الا ان هذا الحشد الشاب هو من أصر في يوم الشهداء على ارتداء اللباس الكاكي، وهو من هتف عند الساعة الثانية حين أطل سمير جعجع أمامهم على الباحة الخارجية لسيدة حاريصا “ما في شي بيخوفنا..... سمير جعجع قائدنا”.
لا يخلو الأمر من بضع شتائم متفرقة وجهت ضد الآخرين هنا وهناك، وطبعاً شعارات وصرخات “آه آه سوريا” حين يذكر اسم الدولة المعنية، وحين خروج الحشد وعلى رغم ضيق المكان أمكن سماع عبارة “لا تنزعجوا من الزحام فمن الجيد اننا كثر” تتردد هنا وهناك وبشكل فردي. كثر بأغلبهم من الشبان والمراهقين، الذين صاروا يرون في القوات وقائدها “درعاً للمسيحيين”، أو بحسب الشعار المرفوع على الملصقات “الرجل التاريخي للمرحلة الوطنية”.


تلفريك
* تأخر وصول المطران ابو جودة لمدة نصف ساعة بسبب ازدحام السير واختناق الطرق بالمؤيدين، وتأخر الوزير بيار الجميل، فدخل خلال مراسم القداس وقبل البدء بالمناولة مسرعاً ليجلس في الصف الاول.
* وصل العديد من انصار القوات من الساحل الى البازيليك عبر استخدام التلفريك، بعدما خصص يوم الاحد لنقل الوافدين.


تصفيق لشدياق
خلال كلمة المطران رولان ابو جودة نيابة عن البطريرك نصر الله صفير، دخلت الزميلة مي شدياق على كرسي بعجلات وتولى شابان حملها لإدخالها الى الصفوف الاولى، وقاطع التصفيق العالي كلمة المطران الذي انتظر حتى هدوء التصفيق ثم اشار في كلمته الى حضور الشدياق “بيننا” معتبراً أنها من الشهداء والشهود.