جوانا عازار
زحمة سير على جسر جل الديب عصر الثلاثاء الماضي: أمر طبيعي. شاب في العشرينيات من عمره وسط الجسر، وجهه ملطّخ بالدماء، فاقد التوازن، يتأرجح، يقف ثمّ يسقط... سيارة رينو صفراء اللون متوقّفة على طرف الجسر، درّاجة هوائيّة قربها، شاب آخر يصرخ، يقف وسط الطريق، يحاول مساعدة الجريح، يتأبّط ذراعه، يمسك به، فلا يلبث أن يسقط... يتركه، يهرع، يحاول إيقاف المارّين، يصرخ طالباً النجدة، يترجّى كلّ سائقي السيارات ليتوقّفوا كي يقلّوا الجريح إلى المستشفى... هذا أمر غير طبيعي! المشهد مروّع والصدمة كبيرة.
السيّارات واحدة تلو الأخرى تخفّف من سرعتها، تتوقّف قليلاً، ثمّ “وفي الهريبة كالغزال”. أصوات تعلو في المكان: “لا تتوقّفوا كي لا يقبض عليكم فتجرّون إلى المخفر للإدلاء بافادتكم”. الواقع أنّ أشخاصاً كثيرين يخافون المساعدة رغم تأثّرهم الشديد عند رؤية أيّ جريح أو مصاب يئنّّ على الطرقات. حتّى إنّ بعضهم لم يعد يجرؤ على الاتّصال بالصليب الأحمر اللّبناني الذي بات يسأل عن اسم المتّصل وشهرته ورقم هاتفه. يقول أحدهم: “نخاف أن نتورّط في مسألة لا علاقة لنا بها، فنتحوّل إلى مذنبين بعد أن يكون هدفنا المساعدة”.
رئيس الصليب الأحمر اللبناني سامي الدحداح أوضح أنّ “السؤال عن اسم المتّصل هو فقط للتأكّد من أنّ الحادث المبلّغ عنه حصل في الواقع، لأنّ اتّصالات كثيرة مزيّفة كانت ترد إلى مراكز الصليب الأحمر من هواتف عموميّة كانت تبلّغ عن حوادث وهميّة. لذا إنّ طلب اسم المتّصل هو فقط للتأكّد من حصول الحادث المبلّغ عنه فعليّاً، وتبقى المعلومات التي تطلب من المتّصل سريّة”.
أمّا القانون اللبناني فتنصّ المادّة 576 منه على أنه: “من وجد بمواجهة شخص في حالة الخطر بسبب حادث طارئ أو بسبب صحي وكان بوسعه إغاثته أو إسعافه، بفعل شخصي أو بطلب النجدة ودون أن يعرّض نفسه أو غيره للخطر وامتنع بمحض إرادته عن ذلك يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة من مئتي ألف إلى مليوني ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
إذاً القانون يعاقب إذا لم نقدّم المساعدة لشخص هو بأمسّ الحاجة إليها. يقول أحد المحامين إنّ من ينقل جريحاً أو مصاباً تطلب إفادته فقط، مضيفاً أنّ الناس في لبنان يخافون الإجراءات الأمنيّة وإضاعة وقتهم في المخفر، لكنّه يدعو إلى إبلاغ قوى الأمن على الرقم 112 وعدم حمل المصاب.