صور ــ علي عطوي
على متن «فلوكة صوريّة»، يبحر المخرج الشاب شادي زيدان أكثر من ثلاثة أرباع السّاعة، ليتناول قضيّة اختفاء الصيّاد محمد فرّان الذي اختطف في تشرين من العام الماضي.
«فلوكة» عنوان الفيلم الذي أعدّه وأخرجه زيدان. لم يشأ أن يسرد مجرّد قصّة اختفاء فرّان، بمعزل عن البيئة التي يعيش فيها مع رفاقه الصيّادين. فأوجد رابطاً بين قصّته وقصص العديد من زملائه البحّارة، على مدى عقود من المعاناة والقهر اليومي. انطلاقاً من هذه الرّؤية، يقودك زيدان لتدخل البحر الغامض والمجهول للبحّار المفقود منذُ ما يقارب السنة.
شاب أسمر في مقتبل العمر، يندفع وراء لقمة العيش، فيرفض العودة بفلوكته إلى الميناء، بالرّغم من طلوع الفجر، قبل أن يجني ما يُعادل ثمَن المازوت على الأقلّ. لكننا بعدَ برهة نرى «موهاتا» (إسم الفلوكة التي يرتادها)، وهي تهيم بمفردها مصابةً بطلقات ناريّة في مقدّمها، وعلى دفّتها آثار دماء!
ونبحث مع زيدان، يُرافقنا أهل محمّد. الوالد بقلبه المكسور والأمّ بدمعتها الملتهِبة، نفتش بالقرب من الجزر الصخرية، وفي كلّ أمكنة البحر الصُوريّة، فلا نعثر عليه. هل غَرق وابتلعه اليمّ، هل هوَ أسير جريح لدى الصهاينة، أم أنّه شهيد رصاص حقدهم؟
تصل إليكَ الإجابة بسلاسة، عبرَ أشخاص يروون بلغتهم البحريّة، قصصهم وقصص زملاء لهم، ذهبوا مع البحر ورجعوا شهداء، وبعضهم لم يرجَع بعد. فتشعر وكأنّكَ تعيش بين هؤلاء، تتشرّب قهرهم وتنفعل لانفعالاتهم.
يتحدّث مخرج الفيلم عن الفكرة التي انطلق منها فيقول: "أنا ابن مدينة صور، وعلى تماس مباشر مع حياة هذه المدينة، وقسمها البحريّ خصوصاً، ومعاناة الصّيادين ومشاكلهم، الأمر الذي شكّل لي نظرة مسبقة عن ظروف هذه المهنة”. ويتابع: “معاناة الصّيادين في صور، لها ميّزة خاصّة. فالصّيادون هنا على تماس مباشر مع العدوّ الإسرائيلي، لوجودهم بالقرب من المياه الإقليميّة الفلسطينية المحتلّة”.
ويشرح زيدان: “توّج اختطاف محمد هذه المعاناة، وخصوصاً بعد زيارتي لأهله، ورؤيتي لحالة الفقر والتهميش التي تعيشها أسرته”. ويخشى زيدان من أن يُنظَر إلى هذا الفيلم “بمنظار سياسي”، كما يقول، مضيفاً: “أنا بعيد نهائيّاً عن ذلك، والرسالة الأولى والأخيرة لديّ هي حالة إنسانيّة محض، الهدف منها الإضاءة على فئة تعاني حالة من الإهمال والقهر”. ويختم قائلاً: “مهمّتي إيصال قضيّة محمد إلى الناس التي لا تعرف، وتذكير مَنْ يعرف”.
السؤال يبقى مفتوحاً على احتمالات الإجابة، ولكن يبقى الاحتمال الأقوى أنّ مصير محمد يعرفه الصهاينة. ويشهد على ذلك آثار دمائه على دفّة الـ”موهاتا”، وكذلك الرّصاص الذي مزّق مقدّمها.