عمر نشابة
أحرز تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة تقدماً في مختلف الاتجاهات وأشار بوضوح الى شخصين مشتبه فيهما، احدهما قضى في الانفجار ويبدو أنه مفجّر انتحاري والثاني تمكنت اللجنة من تحديده بواسطة تحليل الاتصالات الهاتفية ويبدو أن له علاقة بتنفيذ الجرائم الـ14. وأكد التقرير استمرار التعاون السوري مع اللجنة ووصفه بالمرضي لا بل الفعّال، كما تحدث التقرير عن التبادل والتعاون ومساعدة السلطات القضائية اللبنانية في التحقيقات الجارية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كما في الجرائم الاخرى التي وقعت منذ الاول من تشرين الاول 2004 والتي استهدفت ست منها إعلاميين وسياسيين لبنانيين. وشرح التقرير الثالث للجنة برئاسة براميرتز التطورات في سياق تطوير قدرات اللجنة وهيكلتها. وجاء في النصّ اعلان عن الخطوات المقبلة التي ستتخذها اللجنة في تحقيقاتها.
التقدم في التحقيق في جريمة الاغتيال
ــ دوافع الجريمة:
ما زالت لجنة التحقيق تبحث عن دوافع الجريمة ولم تتمكن بعد من تحديدها كاملة وبدقة. وهي تنظر في عدد من الفرضيات والاحتمالات التي كانت قد ذكرت بعضها في التقارير السابقة وأضافت إليها احتمالات جديدة في هذا التقرير. وتقول اللجنة إنها ستستكمل في المرحلة المقبلة المقابلات مع اشخاص محلّيين ودوليين لديهم معلومات قد تكون مرتبطة بتحديد دوافع الجريمة، كما تعمل اللجنة على دراسة الوثائق ذات الصلة وتحليلها.
وتنصّ الفقرة 55 من التقرير على أن اللجنة تدرس فرضيات قد تشير الى اسباب غير مذكورة أدّت الى اغتيال الحريري. ولم تستبعد اللجنة أن تكون اسباب اغتيال الحريري شبيهة بالاسباب التي ادّت الى ارتكاب الجرائم الـ14. وترى اللجنة أن هذه الاسباب تبدو “دولية ومحلية ووطنية” ومرتبطة بشؤون “سياسية واقتصادية ومالية وتجارية”. واللافت في التقرير ذكر “مالية وتجارية” بينما كان يمكن اعتبار هذين الشأنين ضمن الشؤون الاقتصادية. يشير ذلك الى استمرار اللجنة في البحث المعمّق للأسباب غير السياسية. وفي هذا الإطار ذكر التقرير قضية بنك المدينة بينما تحفّظ على ذكر اسماء مؤسسات أو أشخاص في التقرير. أما الاسباب المحتملة غير السياسية الاخرى، فذكر التقرير لأول مرّة “عوامل اعلامية” كدافع محتمل إلى ارتكاب الجريمة. ويشير ذلك الى تطرّق التحقيق الى تحليل المعلومات التي تناقلتها الوسائل الاعلامية المحلية والدولية عن رفيق الحريري وتأثير الإعلام في نظرة المتابعين لنشاطاته وتوجهاته وسياسة الحريري ونشاطاته في شتى الميادين.
أما في الدوافع السياسية، فيذكر التقرير احتمال ارتباطها بصدور قرار مجلس الامن 1559 الذي سبق الاغتيال، وبالانتخابات النيابية. وعلى المستوى الشخصي، تحدّث التقرير عن علاقات الحريري بسياسيين وبـ“أشخاص آخرين” لم يحدّدهم (56).
وترجّح اللجنة ألا تكون دوافع الجريمة مقتصرة على جانب واحد حيث الدوافع متنوّعة وعديدة.
ــ موقع الجريمة ومنفّذها
أجرت اللجنة بحثاً جنائياً دقيقاً لموقع الجريمة والدائرة المحيطة به وتمكّنت من احراز تقدّم هامّ بما يتعلّق بتحليل الموجودات والدلائل. اذ عثر فريق المتخصّصين في مربّعات موقع الجريمة الستة التي رسمتها اللجنة، على سنّ اضافية وبقعتي دماء من بين 56 قطعة من بقايا بشرية في حزيران 2006 فشلت اللجنة برئاسة ديتليف ميليس سابقاً في العثور عليها مع أنها أجرت مسحاً لموقع الجريمة. وتمكّن الخبراء المخبريون التابعون للجنة، بعد تحليل الحمض النووي ودرس دقيق لموجودات موقع الجريمة البشرية من تحديد الآتي: أوّلاً، قد تكون البقايا البشرية عائدة الى الجرحى المعروفين أو لجرحى غير محدّدين (13)، وهذا لا يلغي فرضية أن يكون من بين الجرحى غير المعروفين أشخاص شاركوا في عملية الاغتيال. ومن المرجح أن اللجنة ستعمل على معرفة اسباب عدم معرفة السلطات ببعض الجرحى إذا وجدوا.
ثانيا،ً جمع متخصصو اللجنة البقايا البشرية الـ27 التي عثر عليها سابقاً مع خمسة بقايا وأجزاء من الجمجمة، وتمكّنوا من الاستنتاج انها تعود جميعها لشخص ترجح اللجنة انه منفّذ التفجير الانتحاري المحتمل. وتقول اللجنة إنه في العشرين من عمره وإن سنّه تتميّز بخصوصيات نادراً ما تنطبق على اجسام اللبنانيين. وهنا تتنبه اللجنة من حسم هوية الشخص اذ لا تنفي أن يكون لبنانياً(14) لأن الهوية اللبنانية ليست خصوصية بيولوجية. ثالثاً، توصلت اللجنة الى تأكيد ما ذكرته في تقريرها السابق لجانب معرفة أن الشخص فجّر العبوة من داخل شاحنة الميتسوبيشي أو من أمامها من خلال اعادة تحليل تناثر البقايا البشرية. وفي هذا الاطار، انتهت اللجنة من ادخال المعطيات في برنامج كمبيوتر يعيد تركيب وقائع الانفجار بثلاثة أبعاد (15) ويحدّد بالتالي خصوصيات العبوة ومكان وجود الاشخاص والآليات والاشياء قبل الانفجار بلحظات. رابعاً، حصلت اللجنة على معلومات عن شاحنة الميتسوبيشي من اليابان، واستشارت خبيراً من خارج فريق المحققين للتعرّف إلى قطع من الحديد عثرت عليها في موقع الجريمة. خامساً، قالت اللجنة إنها توصلت إلى تحديد خيوط اضافية على اساس نتائج التحليل الجنائي للبقايا البشرية في موقع الجريمة (12)، وإن تحليل بقايا غير بشرية ما زال مستمرّاً للتأكد من علاقتها بالانفجار.
تفاصيل عن أداة الجريمة وتنفيذها
تمكّنت اللجنة من خلال بحث ودرس دقيق لموقع الجريمة والبقايا المتناثرة ومن خلال إجراء تجارب على شاحنة ميتسوبيشي شبيهة بالتي استخدمت، وبعد تحليل التوقيت في التقرير السابق، من التوصل الى معلومات شبه كاملة عن أداة الجريمة. وكان التقرير السابق قد ذكر أنه إذا كانت العبوة على ارتفاع 80 سم عن سطح الارض فإن وزنها يكون 1800 كلغ.
ويقول التقرير إن اللجنة تدرس فرضية تتعلّق بـ“وسيلة جويّة” سبّبت الانفجار (18). وقد تكون هذه الـ“وسيلة” طائرة أو منطاداً، لكن اللجنة لا ترجّح ذلك اذ تذكر أن المعلومات التي بحوزتها عن التفجير، جرى تدقيق فيها من خلال مجموعتين منفصلتين من الفحوصات.
ويُذكر أن اللجنة، كما في تقريرها السابق، دأبت على استعمال عبارة “جهاز التفجير الارتجالي” في وصفها لأداة الجريمة.
وما زالت اللجنة تدقّق قي معلومات تشير الى خفض اجراءات الحماية الامنية للضحية خلال الفترة التي سبقت اغتياله. وتدرس اللجنة الظروف السياسية بما يتضمّنه ذلك من الصلاحيات والامتيازات الامنية التي يفترض أن يتمتّع بها رؤساء الوزراء السابقون، كما تدقّق اللجنة في الحاجات الامنية العملية للحريري خلال هذه الفترة. ولوّحت اللجنة في هذا الاطار إلى تقصير جهاز الامن المسؤول عن حماية الحريري وخاصّة بما يتعلّق بتحديد مواعيد التنقّل وسلوك الطريق(25). واللافت في التقرير، أن اللجنة قرّرت التوقف عن ملاحقة موضوع السيارة التي ذكر في التقارير السابقة أنها كانت تلاحق موكب الحريري لتحديد تحرّكاته. وذكر التقرير أن منفذي الجريمة لم يكونوا على الارجح في حاجة الى نظام مراقبة متطوّر لتحرّكات الحريري، وأن التوقيت لم يكن مخطّطاً له بدقّة وأي فارق فيه لم يغيّر شيئاً بما يخصّ تفجير الميتسوبيشي.
(غداً جزء ثان)