ابراهيم عوض
أثار خطاب النائب سعد الحريري تساؤلات داخل الشارع السني عن موقع الطائفة ودورها، خصوصاً أن الخطاب تزامن مع إصدار رؤساء الحكومات السابقين «مذكرة تفاهم» دعوا فيها إلى الحوار والتمسك بالوحدة

لم تمض ساعات على إصدار رؤساء الحكومات السابقين سليم الحص وعمر كرامي ونجيب ميقاتي ورشيد الصلح وأمين الحافظ «مذكرة التفاهم» التي دعوا فيها الى التعقّل والحوار والابتعاد عن التشنّج وإثارة الغرائز مؤكدين انتصار المقاومة في حربها مع إسرائيل، حتى أطلق رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري جملة مواقف في أكثر من اتجاه بدءاً من توصيف نتائج الحرب الإسرائيلية على لبنان بـ«الكارثة» وإغفال دور المقاومة في مواجهتها، مروراً بالانتقاد غير المباشر لبعض ما ورد في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الجمعة الماضي، وصولاً الى إعلان الدعم الكامل للرئيس فؤاد السنيورة وحكومته.
وإذا كانت كلمات الحريري تندرج في سياق الخطاب السياسي لفريق 14 آذار، فإن مخاطبته حضور الإفطار الذي أقيم في قريطم متشحاً بـ«العباءة السنية» التي ألبسه إياها «اتحاد العائلات البيروتية» وقوله «إننا خط الدفاع الرئيس عن وحدة المسلمين» أثارت تساؤلات أوساط سياسية وداخل الشارع السني عن حال الطائفة السنية وموقعها ودورها وما إذا كانت عدوى الانقسام قد اقتربت من بنيتها.
الرئيس سليم الحص الذي يؤكد أن اتفاق رؤساء الحكومات السابقين على «مذكرة التفاهم» أملته اعتبارات وطنية لا طائفية، يلفت في الوقت نفسه الى أن هؤلاء الرؤساء لا ينتحلون صفة، متسائلاً: «من الذي بوّأ الشيخ سعد الحريري ناطقاً باسم السنّة ومن الذي أعطاه صفة التمثيل السني»، رافضاً اعتبار موقعه النيابي تثبيتاً لهذا الطرح «لأنه ليس الوحيد على الساحة».
وكان الحص قد زار رئيس الحكومة فؤاد السنيورة صباح أمس وسلمه نسخة عن مذكرة التفاهم التي وقّع عليها رؤساء الحكومات السابقون. وقال إثر اللقاء إن «كل القوى السياسية مدعوة الى الإعراب عن التزامها بالثوابت الوطنية التي التقى عليها رؤساء الوزراء السابقون، وهي إن فعلت في شكل أو في آخر فنحن نعتبر أنفسنا فريقاً واحداً مع هؤلاء». ووصف الحص السجالات القائمة بأنها أشبه بـ«حرب المتاريس».
من جهته، رد الرئيس عمر كرامي الانقسام الحاصل في لبنان الى ما سبق أن حذر منه إثر صدور القرار 1559، وقال كرامي لـ«الأخبار» إنه «منذ صدور القرار المذكور وحتى يومنا هذا فإن اللغة التي يعتمدها فريق 14 شباط لم تتغير. الكلمة واحدة والرأي واحد والتوجه واحد. وارتباط هذا الفريق بالسفارات بات واضحاً، ومن يراجع الكلام الأخير الذي أدلت به وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس يدرك تماماً كيف تصنّف الناس وتدير الأمور».
وفي ما يتعلق بخطاب الحريري، لم يبد كرامي استغرابه لما ورد فيه ورأى أن «لا فارق بين ما يقوله الحريري وما يدلي به جنبلاط أو جعجع». ولم يخف استياءه مما شهده الصف السني من متغيرات مؤكداً أن السنّة كانوا دائماً أهل الوطنية والعروبة والقومية، عدوهم واحد هو إسرائيل، لافتاً الى «أن الأحداث التي عصفت بلبنان إثر اغتيال الرئيس الحريري ترافقت مع موجات عاطفية وتوجهات إعلامية أخذت الناس أو فريقاً منهم الى مكان بعيد عن قناعاتهم، ويبدو أننا لم نخرج من هذه الحالة بعد». ورأى أن اعتماد الخطاب المتشنج والتلويح باستخدام الشارع يأخذان البلد الى الهاوية، معلناً أن «مذكرة التفاهم أطلقت الصرخة ودعت الى التعقل والحوار باعتبارهما السبيل الوحيد لتهدئة الأوضاع وإزالة التوترات تمهيداً للبحث في حل المشاكل والقضايا المشكو منها وتعزيز التضامن والوحدة الوطنية».
وأدلى الرئيس نجيب ميقاتي بتصريح قال فيه إنه «بدل أن يسعى المسؤولون الى إيجاد قواسم مشتركة للتلاقي في ما بينهم لحل المشاكل الخطيرة التي يعاني منها المواطن ولا سيما منها تداعيات العدوان على لبنان، فإننا نجدهم يعمّقون الشرخ والخلاف ويتبادلون الاتهامات». وأبدى استغرابه «لإدخال الموضوع الحكومي عنصراً أساسياً في السجال وتصوير الأمر وكأن التغيير الحكومي هو الذي يؤمن الحلول الجذرية للمشكلات القائمة».وفيما رأى ميقاتي المطالبة بالتغيير الحكومي «حقاً لكل من يتعاطى الشأن العام»، حذر من مخاطر إدخال البلد في الفراغ الدستوري، ودعا الى «العودة للحوار الهادئ والموضوعي حيال كل القضايا، لكي يأتي التغيير الحكومي المنشود ثمرة توافق بين جميع الأطراف»، لافتاً الى أن «محاولات العودة الى مقولة الأمر لي أو نظرية الغالب والمغلوب لن تؤدي إلاّ الى السلبيات والويلات على الوطن».
بدوره، ناشد وزير التربية والتعليم العالي خالد قباني الجميع العمل على تهدئة الأجواء وأن يراعي كل طرف الطرف الآخر. وفي رد على سؤال لـ«الأخبار» عما ورد في خطاب الحريري، قال قباني إنه لم يكن حاضراً حفل الإفطار مشيراً الى أن الموقف الذي صدر عن الحريري «لا ينبغي عزله عما سبقه من مواقف في هذا الاتجاه، لذلك ينبغي وضعه في إطاره العام وهو من هذه الزاوية يكتسب أسباباً مخففة كما نقول في علم القانون». وأشار الى أن الخطاب «فتح آفاقاً للحوار وحمل عبارات لها دلالاتها وأبعادها منها قوله إن اللبنانيين الذين قاتلوا واستشهدوا وصمدوا ونزحوا ودُمرت بيوتهم هم أهلنا، وإن شيئاً لن يقطع حبل المودة والأخوة بيننا وبينهم، مهما علت أصوات التحريض والتخوين». ووصف قباني هذا الكلام بـ«الممتاز» الذي يرد على جميع التساؤلات المشككة.
وفي هذا الإطار دعا رئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القصار القوى السياسية اللبنانية الى «منح لبنان الوطن فرصة ليلتقط أنفاسه بعد الحرب الإسرائيلية الهمجية التي استهدفته»، وأبدى خشيته من «ارتفاع حدة الخطاب السياسي بين القوى السياسية الأساسية في البلاد الى حد بات يُخشى معه أن تتفاقم الأمور لينزل الخلاف الى الشارع».
وأكد «اللقاء الإسلامي الوحدوي» في بيان أصدره أمس «حرصه الشديد على تعزيز وحدة موقف المسلمين في خدمة الوحدة الوطنية وتثبيت ثقافة المقاومة لإسقاط ثقافة المهادنة التي كان رمزها ما جرى في ثكنة مرجعيون». ولاحظ «تدني بعض الخطابات السياسية بشكل عام».