جان عزيز
يؤكد نائب مسيحي حزبي من «فريق 14 آذار» أن مسألة التوازن الوطني حاضرة بقوة في جميع مجالس الطرف المسيحي الموالي، كما في مفاوضاته وحواراته وتنسيقه مع حلفائه في السلطة الحالية. يذكر أن هذه المسألة كان قد أثارها أكثر من ركن مسيحي موال قبل حرب 12 تموز. لا بل إن بحثاً عملياً كان قد انطلق لمحاولة معالجة وردم الفجوات القائمة وتصحيح الخلل على أكثر من صعيد.
ويتضح من هذه الإشارات، أن «الحكي» كان قد بدأ قبل أشهر داخل «فريق 14 آذار»، على كيفية استعادة بعض التوازن داخل الحكومة، كما داخل الإدارة العامة، وخصوصاً في الأسلاك العسكرية والأمنية، وصولاً الى ما كان مرتقباً من تأليف مجلس دستوري جديد.
وبلغ «الحكي» في حينه مستويات مختلفة تراوح بين المأزق والوعد والتهديد.
المأزق كان أولاً على صعيد التوازن الحكومي حين طرحت فكرة تعديل حكومي يعطي وزارة الداخلية لأحد أركان « 14 آذار» المسيحيين. يومئذ تذرع أكثريو الحكومة بالأوضاع الأمنية التي قد تحول دون ممارسة الركن المقصود مهماته كاملة في مقر الوزارة. وقيل في حينه إن «المرشح» المعني أبدى استعداداً كاملاً للإقامة والمنامة في الصنائع، ضماناً لأمنه وأداء مهمته في آن. غير أن الذريعة الثانية كانت كافية لإجهاض الفكرة، لجهة حرص الأكثرية الحكومية على عدم الدخول في أي «بازار» مع إميل لحود، لتمرير التعديل، مما طوى الموضوع نهائياً».
بعد المأزق جاءت الوعود بتعيينات إدارية متوازنة، لم يتردد النائب المسيحيي نفسه في تعريفها علناً وفق معادلة واضحة: “نحن نعين موظفينا وهو يعينون موظفيهم”. غير أن ذريعة لحود ظهرت مرة ثانية لتقفل الملف، ولتستمر ظاهرة التعيين بالتكليف، أو بالإنابة، وذلك بحسب ما يخدم إيصال محسوبين على الأكثرية الحكومية الى مواقع الإدارة العامة العليا. فاذا كان الموظف الأعلى رتبة في المديرية الشاغرة من هؤلاء، عين بالإنابة بقرار من الوزير المختص. وإذا كان من غيرهم، عين آخر بالتكليف بمرسوم. وشكلت المديرية العامة للتربية الوطنية مثالاً على هذا النهج، علماً أن وعداً كان قد أعطي لبكركي قبل 4 أشهر بتصحيح الخطأ ضمن فترة أقصاها شهر واحد.
وفي شكل متزامن مع المأزق حكومياً والوعود “الكمونية” ادراياً، ظهر تهديد أطلقه بعض مسيحيي « 14 آذار» في موضوع المجلس الدستوري، وهو تهديد صاغه النائب نفسه بالقول: “لن نقبل بوصول أي مسيحي الى هذا المجلس لا نختاره نحن».
هذا الوضع بكل تفاصيله وملفاته، يبدو حاضراً في كلام النائب الآذاري، في ما يشبه نوعاً من الاستدراك والإقرار بالعجز. اذ بات يسر ويقر بأن مسيحيي السلطة الآن يرفعون الشعار التالي: “معركة التوازن الداخلي مؤجلة، حتى الانتهاء من حرب السيادة الخارجية».
واذا كانت إشكالية التوازن واضحة المعالم والأطراف، فإن الحرب السيادية الجديدة تبدو ملتبسة بعض الشيء في شعار هؤلاء. ذلك أن تحديدها يبدأ بالكلام عن استمرار «وجود سوريا في الداخل اللبناني، وعن محاولات دمشق العودة سياسياً وامنياً الى هذا الداخل”، لينتهي بكلام لا يقل وضوحاً عن سلاح «حزب الله» ومعالجته لجهة تسليمه كاملاً الى الدولة.
ويكشف النائب نفسه أن ثمة اقتناعاً إجماعياً لدى مسيحيي السلطة اليوم، بضرورة “عدم انجرارهم أو استدراجهم الى أي خلاف داخل الأكثرية حول المشاركة المسيحية في الحكم او تهميش المسيحيين في القرار الوطني”. ولذلك فهم سكتوا وسيسكتون عن كل ما يحكى في السياسة والإدارة والأمن والعسكري والديبلوماسية. وسيتجاهلون كل الوقائع المعروفة، من تحول «شعبة المعلومات» «أخاً أكبر” على الطريقة الموسكوبية، الى استبعاد أي «حليف مسيحي» عن زيارة طوني بلير الى بيروت، وما بينهما. لأن الأولوية اليوم للقضاء على «الأصابع السورية» ولنزع سلاح «حزب الله».
ويلبث النائب المسيحي نفسه مستمعاً بتفهم وتجاوب الى المنطق المسيحي المقابل لرأي فريقه: لكن ما الذي يضمن ان الحريرية السياسية حين تنتهي من أزمتها مع «حزب الله» في شكل يجعلها الرابح الوحيد، لن تتحول الى موقف غير مبال بأتباعها من المسيحيين، وغير ملزم تقديم اي حقوق لهم؟ وما الذي يضمن في احتمال فشل الحريرية السياسية نفسها في الحسم ضد «حزب الله»، ألا تسعى الى إعادة إحياء “تحالف رباعي” جديد، على حساب اتباعها المسيحيين أنفسهم، كما حصل طوال عام ونيف؟.
عند ذلك علينا أن نتجه كلنا الى ميشال عون، يجيب النائب نفسه، ونضع أصواتنا في تصرفه لمواجهة تصرف الأكثرية، قبل أن يستدرك سريعاً، إن هذا الجواب الافتراضي ليس الا رأيه الشخصي، لأن الفرضية المذكورة ليست مطروحة بعد لدى مسيحيي السلطة، ولا رد اجماعياً لديهم عليها حتى اللحظة . فالإجماع الوحيد المتوافر لدى هذا الطرف الآن، أن معركة التوازن مؤجلة قطعاً.
...في منتصف الثمانينيّات، شاعت في الأوساط المسيحية جدالات فكرية سياسية حامية، حول أولوية الثورة أو المقاومة: هل نعلن الثورة ضد التخلف والعمالة الداخليين، بما يسمح بتحصين جبهة المقاومة ضد سوريا؟ أم نتغاضى عن هؤلاء حتى التحرير، ليتم التفرغ لهم بعده؟ في ذلك الوقت كتب مفكر حزبي عتيق حكيم: “ باسم الثورة قضيتم على المقاومة بالأمس، وباسم المقاومة تجهضون الثورة اليوم». فهل تتكرر المعادلة؟