كرر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قوله إننا "لا نريد أن نكون ساحة صراع مفتوحة لكل صراعات القوى الإقليمية والدولية" مشدداً على العمل "مع الدول العربية الأخرى لحماية وحدة واستقرار دولنا ومنطقتنا".جاء ذلك خلال كلمة ألقاها السنيورة أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ أمس، واستهلها بالحديث عن الأضرار التي خلفها العدوان الإسرائيلي على لبنان معتبراً أنه " حان الوقت كي يسعى المجتمع الدولي بتصميم إلى إحلال سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط" مشيرا الى أن"الاجتماع الأخير لمجلس الأمن الذي عقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يلب تطلعاتنا وبقي قاصراً عن معالجة حجم وأساس قضية الشرق الأوسط" .
ورأى «أن السعي إلى إحلال السلام في لبنان والمنطقة يتطلب مقاربة ثلاثية الأبعاد، بإمكان أوروبا، وعليها أن تلعب دوراً فعّالاً فيها» وهي:
أولاً، فيما يتعلق بلبنان، يجب تطبيق القرار 1701 تطبيقا كاملا ووضع مزارع شبعا في عهدة الأمم المتحدة. وهذا سيؤدي إلى بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وسيؤسس إلى إعادة العمل باتفاقية الهدنة حتى يتم التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين الدول العربية وإسرائيل. وهذا الأمر، إضافة إلى مسار إعادة الإعمار والتأهيل وإعادة إحياء مؤسساتنا الاقتصادية والسياسية، سيؤمن لنا الحيوية والحصانة الضرورية والقدرة على بناء دولة ديموقراطية بحق.
ثانياً، إن العودة إلى عملية السلام ستؤدي إلى تسوية شاملة وعادلة ونهائية لأزمة الشرق الأوسط وإلى تأسيس دولة فلسطينية مستقلة قابلة للعيش. وبذلك يسود الاعتدال والاستقرار وتؤمن حقوق الشعوب في الشرق الأوسط.
ثالثاً، بما أن لبنان جزء من الحضارة والتاريخ والهوية العربية المتميزة التي ساهمت بشكل أساسي في الحضارة العالمية. إلا أننا لا نريد أن نكون ساحة صراع مفتوحة لكل صراعات القوى الإقليمية والدولية، ونعمل مع الدول العربية الأخرى لحماية وحدة واستقرار دولنا ومنطقتنا.
ورافق السنيورة الى ستراسبورغ الوزراء : فوزي صلوخ ، شارل رزق مروان حمادة وطارق متري.
وينتقل السنيورة اليوم إلى برلين للقاء المستشارة انجيلا ميركل قبل أن يعود إلى بيروت. ولكنّ لزيارة رئيس اللبناني بعداً أوروبياً سياسياً لا يتردد المراقبون عن التشديد عليه وهو غياب بعض المحطات الرئيسية من جولته الأوروبية. فهو سوف يصل مباشرة إلى ستراسبورغ من دون المرور بالعاصمة باريس.
ويستغرب المهتمون غياب هذه المحطة الباريسية وخصوصاً أن باريس لا تكل عن إعلان "ضرورة دعم حكومة الرئيس السنيورة". ويقول العارفون إن غياب دعوة السنيورة لها أسباب كثيرة "وترتبط بخط السياسة الفرنسية التاريخية تجاه لبنان".
فباريس لا تعترف بدستورية انتخاب لحود ولها علاقات قوية مع الأكثرية النيابية وتحديداً مع زعيم تيار المستقبل سعد الحريري الذي استقبل منذ سنة ونيف خمس مرات بشكل رسمي في الإليزيه. ولا يمكن القول إن تواصل الديبلوماسية الفرنسية مقطوع مع السلطات اللبنانية فزيارات الرسميين الفرنسيين كثيرة وخصوصاً وزير الخارجية الذي زار بيروت مرات عديدة، وشملت اتصالاته كل الأطراف في الساحة اللبنانية باستثناء لحود. ولكن كما يقول خبير مقرب من الإليزيه فإن "دعوة رسمية في هذه الظروف لرئيس الوزراء اللبناني ترسل إشارة خاطئة لطائفة الرئيس المقاطع"خصوصاً في جو الحديث عن "خلل في المسؤوليات الحكومية".
ويرفض الخبير فرضية وجود "تباين في وجهات النظر بين السنيورة وشيراك" تمنع لقاءهما، ويذكّر بأن السنيورة "لا يمثل نفسه في موقعه هذا بقدر ما يمثل تيار المستقبل"، ولكنه في الوقت نفسه يؤكد أن "الثقافة السياسية للسنيورة أقرب لطريقة التفكير الأنكلوساكسونية من اللاتينية الفرنسية الكارتيزيه".
ويرى البعض أن السنيورة، بغياب انفتاح باريس عليه، قد عوض بالكثير من الانفتاح في اتجاه العواصم الأوروبية الأخرى ولا سيما روما وبرلين، ويعترفون له بأنه على الرغم من الانفتاح الأميركي نحوه بشكل كبير وخصوصاً خلال الحرب الإسرائيلية فهو اختار أن يبني شبكة علاقات دولية سياسية أوروبية، وكان محكوماً بطرق أبوابها بسبب إغلاق الباب الباريسي.
ويقول البعض إنه من الممكن جداً أن يكون رئيس الوزراء اللبناني وراء "عدم تشجيع الدعوة اليه" لأسباب تتعلق بالسياسة الداخلية اللبنانية وتقاليدها السابقة. ويذكّر هؤلاء أنه إذا وضعنا جانباً زيارات الرئيس الحريري فإن رؤساء وزراء لبنان لم يكن لهم تاريخياً سجل حافل بزيارات إلى العاصمة الفرنسية وعددها منذ الاستقلال معدود قياساً على معايير عدد الزيارات إلى دول أخرى.