كامل جابر ــ خالد الغربي
تلقي مفاعيل العدوان الإسرائيلي على المناطق الجنوبية بتبعاتها على معايشة أيام شهر رمضان المبارك. حتّى صيدا التي لم يصبها العدوان المباشر على نحو ما جرى في المدن الجنوبية الأخرى، تبدو متأثرة إلى حد بعيد بنتائج العدوان

غابت عن شوارع صيدا وأحيائها وساحاتها تلك الزينة المبهجة، التي تتحوّل معها المدينة، في كل عام، إلى ما يشبه مدن ألف ليلة وليلة، بأبعاد إيمانية دينية وجمالية. ولولا تلك اللافتات «اليتيمة» التي رفعتها الجماعة الإسلامية دون غيرها، من مختلف الجمعيات والأحزاب والفرق «المسلمة» التي كانت تتنافس في صيدا، لأمكن القول إن «رمضان» لم يحضر بعد.
أسواق صيدا، وخصوصاً السوق القديمة الشعبية التي تعيش عادة أيام رمضان بشكل مميز، لجهة صناعة الحلويات الخاصة بالشهر الكريم وبعض المعجنات والخبز الرمضاني، لم تشهد في الأيام الأولى منه «عجقة» لافتة أو إقبالاً على حركة البيع والشراء، فبدت الحركة فيها خجولة وكأن الضيف «الواجب» المبدد لهفوات السنة والماسح للخطايا الممكنة لم يطرق الأبواب بعد، ولم يهلّ هلاله. فيكتفي البعض بشراء القليل من المتوجب، بانتظار أن تحمل الأيام المقبلة بعض الفرج على المدينة التي أثقل العدوان كاهل طبقاتها الشعبية والعمالية، وخصوصاً الصيّادين منهم الذين منعهم الحصار البحري من شق عباب البحر والصيد أكثر من 57 يوماً متتالياً، وحرمهم مصادر الرزق طوال هذه الأيام.
وتبدي بعض الفاعليات الصيداوية، خشيتها من أن تفقد المدينة، بسبب الوضع الراهن بعد العدوان، نكهتها «الليلية» في أيام رمضان، إذ كانت تغص ساحات الحي القديم ومقاهيه، وحتى حماماته القديمة، بالرواد الذين يتجاوزون حدود المدينة إلى مختلف مناطق الجنوب، ليتذوّقوا الحلويات الصيداوية المميزة، متجولين بين الأبنية التراثية والأثرية والمتاحف المختلفة. لكن رغم الوضع المتعثّر، فإنّ الاستعداد لاستقبال الزائرين «الليليين» جارٍ في الساحات القديمة على قدم وساق. ويعول أصحاب المقاهي وبعض «الاستراحات» على الواجهة البحرية على الليالي المقبلة في تعويض بعض ما لحق بالمدينة من غبن اقتصادي ومعيشي متأت من العدوان ومترتباته.
ما تعاني منه صيدا، يمكن أن ينعكس تماماً على المدن الشيعية الجنوبية، النبطية وصور، من حيث إقامة بعض الخيم الرمضانية التي اعتادت عليها المدينتان، وعلى بعض المتنزهات التي كانت تنتشر على ضفاف نهر الليطاني وفي بعض البلدات الجنوبية، الداخلية والحدودية، إنما بأقل «هيصة» مما يجري في صيدا. بيد أن كل ذلك لا يمنع توق الناس في مختلف مدن الجنوب وقراه، إلى صيغ من الفرح والابتهاج المتبادل، والانغماس في إقامة شعائر شهر رمضان المبارك والتضرع إلى الخالق، وخصوصاً بعد هذا «القطوع» العدواني الذي أصابهم.
ففي مدينة النبطية، ومنطقتها، رفعت البلديات وبعض الجمعيات المهتمة، الأشكال المضيئة كهلال رمضان وشعارات المسلمين، رغم أنّ هذه المناطق لا تزال تنوء تحت كاهل العدوان المدمر للأبنية والجسور والطرقات، ومعها مصادر الإنتاج والمعيشة. لكن، لن يتسنّى هذا العام للعديد من مدن الجنوب وبلداته، كبنت جبيل والخيام وعيناثا وعيترون وصديقين والطيبة ودبين وغيرها، جمع شمل العائلات في بيوت لم تعد بيوتاً. والعديد منها باتت مكلومة بمن فقدت أثناء المجازر المختلفة. فكيف لها برفع لافتات الترحيب بالشــــهر المبارك، على أعمدة لم تعد موجودة بسبب الدمار شبه الشامل في العديد منها.
هو الحزن من جهة أصاب البيوت الجنوبية، وتردّي الأوضاع الاقتصادية من جهة ثانية بعد توقّف الأعمال والحرف وتلف المواسم الزراعية. وما زاد الوضع سوءاً هو مصادفة بداية شهر رمضان مع موسم الدخول إلى المدارس وما يترتب على ذلك من مصاريف كبيرة وإضافية. ففضلاً عن الحصار البحري والجوي وشبه البري الذي لم يتوقف إلا أخيراً، جاء الوضع الاقتصادي ليمنع الجنوبيّين من الاحتفال برمضان، وخصوصاً أن طقوساً مكلفة مادياً تترافق عادة مع التحضير لاستهلال الشهر، وبالتالي لمعايشة أيامه الثلاثين، من استخدام مؤن الزيت والسكر وشراء يومي للحلويات والتمور والخضار والفاكهة ولحوم الضأن والدجاج، التي صارت أسعارها بعد العدوان مضاعفة ومتفاوتة.