عمر نشابة
درس وضع الحريري المالي والسياسي
  • يتضمّن تقرير لجنة التحقيق الدولية اشارة إلى بحث اللجنة حياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري المهنية والشخصية، ويتضمّن تقويماً مهنياً للتعاون السوري والتعاون الدولي لكشف ملابسات الجريمة التي أودت بحياة الحريري و22 آخرين. ويركّز التقرير على الالتزام بالمعايير القانونية الدولية والمهنية تحسّباً للمحكمة الدولية التي يُعمل على انشائها
  • وسّعت اللجنة تحقيقاتها في وقائع اليومين الأخيرين اللذين سبقا اغتيال الحريري، وبحثت في شكل دقيق نشاطاته وعلاقاته وأعماله ومواقفه. وقابل محققو اللجنة 15 شخصية بارزة مقرّبة أو مرتبطة أو على علاقة ما بالحريري خلال الأشهر التي سبقت 14 شباط 2005.
    ونصّت الفقرة 33 من التقرير على أن اللجنة حصلت على “معلومات مهمّة” من الذين كانوا يعملون معه و“يديرون شؤونه الشخصية والمهنية” ومن زوار مسكنه في بيروت ومساكنه الاخرى، ومن العمّال (الخدم) في مساكنه، ومن أشخاص تربطهم بالحريري الأعمال أو السياسة.
    وستعيد لجنة التحقيق تركيب وقائع حياة الحريري حتى موعد اغتياله وتقدمها الى المدعي العام الدولي الذي يُفترض أن يُعيّن قبل انعقاد المحكمة الدولية. وتعمل اللجنة على تكوين صورة متكاملة عن الضحية تساعد على تحديد دوافع الجريمة وظروف الاغتيال. وتدرس اللجنة “وضع” الحريري السياسي وعلاقاته المحلّية من جهة، والدوليّة من جهة أخرى، وتحركاته داخل لبنان وخارجه. وتطّلع اللجنة على أحاديث الحريري ونقاشاته “الخاصّة والشخصية” مع أصدقائه. وتراقب اللحنة كيفية استيعاب الآخرين لآراء الحريري ومقولاته. ويذكر التقرير ان التحقيق يشمل “الشؤون المالية التي تؤثّر على وضعه السياسي وعلى علاقاته المهنية وتسوياته الخاصّة” (34). ونتوقّف هنا عند التدقيق في مدفوعات الحريري والأموال التي يبدو أنه كان يدفعها لعدد كبير من الإعلاميين والسياسيين و“الأصدقاء” على أساس “تسويات خاصّة” ربما ليستفيد منها سياسياً لدى عودته الى لبنان من المملكة العربية السعودية في مطلع التسعينياتيقول الدكتور براميرتس إن فريق التحقيق التابع له يستمرّ في درسه علاقات الحريري ونشاطاته وأعماله في الفترة المقبلة ليكوّن صورة شاملة عن الوقائع التي سبقت الجريمة (35). وهنا ينبغي التطرّق الى ما ستقتضيه مهنياً هذه المهمّة الحسّاسة: إن أي بحث شامل لحياة الحريري وأعماله قبيل اغتياله يتطلّب تدقيقاً في جميع العمليات المالية والحسابات المصرفية المحلية والخارجية وجميع الاملاك والاموال النقدية المدفوعة والمقبوضة وجميع الاستثمارات. لذا على اللجنة أن تخصّص ملفّاً كاملاً عن ذلك وتتأكد من صحّة المعلومات والمستندات والكشوف المصرفية. وحتى تتمكن اللجنة من القيام بالمهمة التي تحدث عنها براميرتس في الفقرة 35 يجب طلب رفع السرية المصرفية عن حساباته في المصارف اللبنانية كما طلب رفع السرية عن حساباته في المصارف السويسرية وطلب كشوف عن حساباته المصرفية في أي مكان في العالم وكلّ العمليات المالية التي قام بها قبل اغتياله والتي تمّت بعد ذلك. ونذكّر بأن تحقيقاً من هذا النوع ليس للتشكيك بل لشمولية الرؤية ولفهم الوضع الذي سبق الاغتيال بدقّة.
  • التعاون السوري
    على الجمهورية العربية السورية بحسب قرارات مجلس الامن 1595 و1636 و1644 التي أتت بموجب البند السابع من شرعة الامم المتحدة، أن تتعاون مع لجنة التحقيق تعاوناً كاملاً. وكانت اللجنة والسلطات السورية قد توصّلا الى اتفاق مكتوب في هذا الشأن مطلع العام الجاري، ويؤكّد التقرير الخامس استمرار التزام سوريا هذا الاتفاق، وبالتالي التعاون “الفعّال ومن دون تأخير” (78). وخلال الثلاثة أشهر الماضية تقدّمت اللجنة بـ11 طلباً رسمياً من السلطات السورية لمعلومات ووثائق عن أشخاص ومجموعات وتفاصيل عن إفادات ذكرها التحقيق السوري. يشير ذلك الى درس اللجنة وتدقيقها في مضمون التحقيقات التي قامت بها اللجنة القضائية السورية الخاصة والتي كانت نسخة عن نتائجها قد قدمت الى اللجنة الدولية، وهي تتضمّن مقابلات مع أشخاص كانت تقارير اللجنة الدولية السابقة قد طلبت مقابلتهم مثل خالد مدحت طه وزياد رمضان وغيرهم. واجتمعت اللجنة الدولية مع السلطات السورية وناقشت معها اجراء مقابلات مع اشخاص آخرين “لديهم معرفة بمسائل مرتبطة بعمل اللجنة” (79).
    ويقول التقرير إن السوريين قدّموا للجنة وثائق عن تجارب مختلفة للتحكّم بالمتفجرات قام بها الجيش السوري وقواته الرسمية. وعقدت اجتماعات بين خبراء اللجنة الدولية والسلطات السورية لمناقشة جدوى هذه التجارب والتعرّف بالمواد المستخدمة وآلية التفجير. يقول التقرير إن اللجنة حصلت على معلومات اضافية في هذا الموضوع تقوم حالياً بدرس صدقيتها ومضمونها. ويشير ذلك الى تلقي اللجنة معلومات وربما وثائق ومستندات من مصادر سرّية عما جرى ويجري داخل سوريا وقد تكون هذه المصادر استخبارية دولية، كوكالة الاستخبارات المركزية الاميركية أو الاستخبارات الاسرائيلية أو من دول أوروبية جمعت معلومات عبر الاقمار الاصطناعية أو عبر عملاء ومخبرين من داخل سوريا ما زالوا يعملون ضمن النظام السوري، أو من النائب السابق للرئيس السوري عبد الحليم خدام الموجود حالياً في فرنسا والذي كان على اطلاع على نشاطات تفصيلية للجيش والقوات الخاصة السورية بحكم مركزه. وبما أن الشكّ الدولي والمحلّي في ضلوع النظام السوري في عملية اغتيال الحريري قائم، وبما أن الجريمة تمّت من طريق التفجير، فمن الطبيعي والمهني أن يطلب خبراء اللجنة معلومات مفصّلة عن المواد المتفجّرة الموجودة في حوزة الجيش السوري وقواته الخاصة وعن سبب اجراء تجارب على متفجرات في فترة زمنية ولو طويلة سبقت الجريمة.
  • منهجية عمل اللجنة
    تستمرّ اللجنة بتطوير هيكليتها الادارية والعملية وبتفعيل قدراتها التقنية وخبراتها المهنية في مختلف ميادين التحقيق. ويشدّد الدكتور براميرتس على التزام المعايير القانونية الدولية بشكل عام وما يتعلّق بالأدلة الجنائية وإفادات الشهود والمشتبه بهم. فالأدلة الجنائية والتحليل المخبري لموجودات مسرح الجريمة أو أي أغراض أو مواد أخرى تتعلّق بالتحقيق لا يمكن أن تقبلها المحكمة الدولية في حال لم يعثر عليها ولم تحفظ بحسب المعايير المهنية. كما لن تقبل المحكمة الدولية أي افادة مترجمة اذا لم تتمّ الترجمة على اساس المعايير الدولية ولا يكفي أن يكون المترجم محلّفاً محلّياً بل ينبغي أن يكون مؤهّلاً دولياً للقيام بالترجمة.
    وتستمرّ اللجنة منذ تولّي براميرتس رئاستها بالتكتّم الاعلامي حتى لا تسمح بتوظيف اعمالها في زواريب السياسة اللبنانية الداخلية أو في اتجاهات السياسة الدولية المتناقضة.
  • الخطوات المقبلة
    ان أهمّ عمل ستقوم به اللجنة خلال المرحلة المقبلة هو التوصل الى انشاء برنامج حماية الشهود الذي تأخر كثيراً ولا نعلم حتى الآن سبب ذلك التأخير. هذا البرنامج سيسمح على الأرجح لعدد إضافي من الشهود بالإدلاء بإفادات وشهادات أمام اللجنة الدولية. وقد يسمح بإنجازات كبيرة على طريق كشف قتلة الحريري لأن ضمان الأمن قد يشجّع أحد الشهود الأساسيين أو حتى أحد أفراد المجموعة التي نفّذت أو خطّطت الجريمة على الاعتراف بهدف خفض العقوبة أو لأسباب أخرى. وستستمرّ اللجنة في المرحلة المقبلة في عملية جمع المعلومات عن الضحية للمساعدة على تحديد دوافع الجريمة وللتأكد من أن منفّذي الجريمة لم تكن لديهم أي ارتباطات بأشخاص مقرّبين من الرئيس الحريري. وستعمل اللجنة على البحث الحثيث عن مصدر الميتسوبيشي وكيفية وصولها الى لبنان.
    أما في ما يتعلّق بالجرائم الـ14 والتحقيقات اللبنانية، فمن المرجح أن تقترح اللجنة اضافة محاولة اغتيال المقدم سمير شحادة (والتي أودت بعدد من الشهداء) الى لائحة الجرائم الـ14 التي تحقق فيها اللجنة بمساعدة السلطات اللبنانية.