وثالثهم مغلوب على... أمره؟
لا يختلف اثنان أن درجة الوقاحة لدى بعض السياسيين في لبنان وصلت الى حد الانقلاب على الذات والمفاخرة بالماضي الرديء لهذا البعض، فلعلّ الجميع كان يتابع خطاباً لأحد أهم أركان فرقة الوقاحة في لبنان، قلب فيه الحقائق ونسي أو تناسى إجرامه وتمزيقه للوطن وقدم نفسه أنه قديس ملائكي تسيطر عليه أيقونة المحبة والسلام ويسعى الى نشرها كرسول للوحدة والسلام ويشدد على أن مساعيه لنشر أهدافه السامية ستكون بطريقة ديموقراطية «سلمية»، لكن العجب في هذا الرجل أنه لا يزال يعيش متأخراً عن واقع اليوم عشر سنوات.
لذلك أضحى اليوم وهو أسير تبعية لفريق سياسي معين أن يأخذ دور الناطق الإعلامي باسم هذا الفريق الذي يرسم له الخطوط العريضة ويترك له سيناريو الخطاب وحواره. بالأمس القريب وجد هذا الناطق حدثاً سياسياً مناسباً ليرد عليه واختار ذكرى مركزية لتنظيمه، حشد لها من كل حدب وصــــــوب وصل الى حدود مشاركة مناصري أفـــــــــرقاء شــــــــارك بعضهم في صناعة هذه (الذكرى)..
ولأن هذا الناطق فارغ من السياسة إلى الحد الأدنى من مواصفات القائد السياسي، فهو يحاول دائماً أن يغطي فشله بكثرة الكلام والتحاليل البعيدة عن الواقع، ويبقى في حالة تأهب قصوى للرد على مواقف الفريق الآخر وتصريحاته.
نذكّر هذا البعض أنه أكثر الناس جهلاً بمفهوم المقاومة، لأن مفهوم المقاومة هو واحد: مقاومة العدو الصهيوني، العدو الوحيد للبنان وشعبه حسب ما ورد في وثيقة اتفاق الطائف التي يتغنى بها، ونذكر أنه كان وربما لا يزال حليفاً لإسرائيل، أيضاً نذكّر هذا البعض أن المناطق التي ذكرها بأنها أطلقت شرارة «المقاومة» هي في حقيقة الأمر كانت منطلق الحرب الأهلية والذبح على الهوية وتقسيم الوطن وتفتيته. أيضاً نذكّر هذا البعض أن الذكرى التي يتحدث فيها ليست إحياء ذكرى شهداء مواجهة المحتل الإسرائيلي بل إحياء ذكرى قتلى الحرب الأهلية. والعجب في هذا الأمر أن هذا الناطق الإعلامي وجّه تحية لفريق سياسي كان له النصيب الأوفر في قتل «شهدائه».
في المقلب الآخر من فرقة الوقاحة نجد أحدهم قد دخل في غيبوبة نفسية مليئة بالعقد، الذي يرى في الغير ما يراه في نفسه، يتهم الآخرين بالشمولية وهو من أبرز من طبّقوا الشمولية الميليشياوية، ينعت بجمهور عريض صنع له كتلة نيابية كبيرة لم يكن يحلم بها حتى أيام خدمته في معسكر الوصاية، يبشر بالاغتيالات قبل أيام من حصولها، ينتقد السلاح الذي يحمي الوطن بينما يبيح لأنصاره ممارسة القرصنة الأمنية وأخذ الخوّات من المواطنين، يطالب بالوحدة الوطنية والولاء للوطن، وفي الوقت عينه يمارس بشكل يومي التحريض الطائفي والمذهبي. ومن الملاحظ حتى الآن أنه لم نشاهد له أي مقابلة في مكتبه أو منزله يتواجد فيهما العلم اللبناني؟؟
يطالب بكشف حقيقة من قتل الشهيد رفيق الحريري، وتراه يعتذر من أبيه بعد 29 عاماً على استشهاده لأنه دخل في تسوية مع قاتله، وكيف للشعب اليوم أن يثق بشخص باع دماء والده لعقود على حد قوله، أن يكون حريصاً على دماء الشهيد الحريري وأن لا يوظف «لاحقاً» دماء الشهيد في تسوية لمصالحه الخاصة.. وأيضاً فإن هذا البعض تلاحقه دائماً عقدة الفساد المتورط بها واللائحة تطول، وهذه الأمور أصبحت «للتذكير فقط» لا للمحاسبة المحقة، لأنه «ليس على المريض حرج».
أما ثالثهم فهو مغلوب على أمره ودائماً يقوم بدور لا يطيقه، لأنه ولسوء حظه أسند إليه زعامة سياسية أكبر من حجمه وعقله، وقد بنى أمبراطورية سياسية على أساس معين يفرض عليه أن يتهم وينعت فريقاً معيناً كي يبقى حاكماً لهذه المملكة العاجية، مطيعاً جداً لكباره ومستشاريه، لذلك يعتبر الرئيس الفرنسي المرشد الملهم والدكتورة رايس صاحبة الرؤية المسقبلية وحامية المملكة من شر «الوصاية»، وجلالة الملك له دور المدد والعون «والإغاثة». أما سياسته الفعلية على أرض الواقع فهي في عهدة «البيك والسفير الباريسي»، حتى إنه أطل أخيراً مرغماً على تكريم شخص ومدافعاً عنه، وهو يرى أنه يسلبه موقعاً هو من حقه شرعاً ودستوراً، لكن ما باليد حيلة، لأن الطلب كان واضحاً من كبار القوم «عليك أن تغطي الرجل وتحمي موقعه المهدد، لذلك لا يمكن أحداً أن يحاسب هذا الشخص على أفعاله، لأنه لم يبلغ بعد سن الرشد السياسي...
عباس المعلم