جان عزيز
قبل أن تواجه «لوكلير» نظيرتها «ميركافا» بعد ظهر أمس الأول في مروحين، كان أحد أركان « فريق 14 آذار» يسأل عن الوضع في الجنوب، ويستوضح عن الانتهاكات المسجلة، يقرأ ويتوقع وينذر ويتشاءم..
الركن العارف والناشط في «14 آذار»، كان أول من أمس يسجل ويعدد النقاط المقلقة:
1ـــ استمرار الخروق الإسرائيلية اليومية وتوقع تفاقمها كماً ونوعاً في الساعات المقبلة.
2 ـــ التأجيل المتكرر لموعد الانسحاب النهائي للقوات الاسرائيلية من المواقع التي تحتلها داخل الأراضي اللبنانية. وهو تأجيل بات يؤشر الى خلفيات تتعدى الأسباب الشكلية، وما حكي عن حرص إسرائيلي على حرمان السيد حسن نصر الله فرصة التزامن بين احتفاله بالنصر وإعلان عدوه الانسحاب.
3 ـــ فشل غير معلن في المحادثات العسكرية بين الطرفين اللبناني والإسرائيلي، التي تجري منذ أسبوعين في الناقورة بوساطة ورعاية دوليتين. وظهور تعنت إسرائيلي في المطالبة بإملاء الشروط وفرض القواعد والتصرف من الموقع الغالب.
4 ـــ تعيين قائد جديد للمنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي، وهو ما يعني نظرياً سد الفجوة الكبيرة التي تسلل عبرها الإرباك الى الجبهة الإسرائيلية، نتيجة الصراع القائم بين رئاسة الأركان والقائد الشمالي السابق.
ويلاحظ الركن البارز في التحالف الحاكم، أن اسرائيل لم تلبث أن ترجمت في السياسة محصلة النقاط المشار اليها سابقاً. إذ بادرت على صعيد العلاقة الثنائية غير المباشرة مع لبنان، كما على المستوى الغربي والدولي، الى إعلانها طلباً وشرطاً جديداً لانسحاب قواتها من لبنان: تحديد قواعد أكثر وضوحاً للاشتباك، ترعى عمل القوة الدولية المنتشرة جنوب الليطاني وفق القرار 1701، وتوضيح اكبر لمهمة هذه القوة نصوصاً وواقعاً وممارسة، كما لم تتأخر الدولة العبرية عن ترجمة هذه المحصلة نفسها، باللغات الأخرى غير السياسية، عسكرياً وأمنياً، وتضليلاً وإشاعة وتسريباً للمعلومات الصحيحة أو المفبركة، والتي تظل في الحالتين، حاملة رسائل دقيقة الى الجهات المعنية.
ووسط هذه الصورة لا يتردد الركن الآذاري في الإعراب عن توقعه عودة الحصار الإسرائيلي، وبالتالي الدولي، على الحدود والمرافق اللبنانية من جديد. أو على الأقل فهو لا يستبعد أن تعود القيادة الإسرائيلية الى التفكير في مثل هذا الإجراء لممارسة المزيد من الضغوط، إذا لم تتوصل الى تحقيق مطالبها المعروفة وغير المعروفة.
غير أن اللافت في هذا السياق هو ترافق هذه القراءة المتشائمة لبعض أركان السلطة، مع حملة التسريبات الاسرائيلية حول لقاءات عقدها مسؤولون من الدولة العبرية مع مسؤولين لبنانيين وآخرين سعوديين، وبمعزل عن صدقية هذا الكلام أو صحته، يظل الأكيد أن هذا «الدس» الإسرائيلي يشكل رسائل سياسية واضحة، الى جهة سياسية واحدة، ممثلة بفريق السلطة الواحدة، من الرياض الى بيروت.
وهذا التكتيك الإسرائيلي ليس جديداً ولا غير مسبوق، مما يسمح بقراءة أبعاده وفهم دلالاته. إذ يعتبر المراقبون أن مثل هذه الشائعات الإسرائيلية «الفضائحية»، المفترض أن تظل إذا كانت صحيحة سراً من أسرار الدولة العبرية العليا، تستعملها إسرائيل إما كوسيلة دفاعية متذاكية، وإما كطريقة للتعبير عن استياء تل أبيب من جهة مرتبطة معها، أو مع حلفائها الغربيين، بتفاهمات غير مباشرة معينة. لذلك يقرأ البعض حديث إيهود أولمرت عن لقاءات بحكوميين لبنانيين وسعوديين، وكأنه استكمال للخطوات الإسرائيلية الميدانية على الأرض في الجنوب، أو حتى استكمال لتخوف البعض من عودة الحصار الإسرائيلي على لبنان. أي إن اسرائيل تحذر من التخلف عن الإيفاء بالتزامات معينة، ومن النكوث بوعود أو عهود، لم تقطع لها طبعاً، بل تنامت اليها تواتراً، عبر الجهات الدولية والأميركية خصوصاً، التي تتولى التفاوض مع الجهات اللبنانية.
هذه القراءة هي ما يعزز اعتقاد المراقبين بأن السلطة والمعارضة في بيروت، تتصرفان بتأثير من هاجسين انقلابيين متضادين. فالمعارضة تتصرف وكأن السلطة قد نفذت انقلاباً سياسياً وديبلوماسياً على النتائج العسكرية والميدانية لحرب 12 تموز، وهي، تستعد لإنجاز هذا الانقلاب أمنياً وإدارياً، حتى استكماله، وإقفال كل ملفاته مع الاستحقاقات المقبلة، قضائياً ورئاسياً. والسلطة في المقابل تتصرف وكأن المعارضة تعد لانقلاب عليها، يعكس الموازين والنتائج المنبثقة من حرب 12 تموز نفسها.
في هذا الإطار يسجل المراقبون إيعازاً لدى فريق السلطة بشن حملة إغراق إعلامية لصالح مقولات الفريق الحاكم، بما في ذلك ملامسة المحظورات والمسائل الخطيرة غير المطروقة، مثل التلويح بأن على المعارضين الاختيار: إما القبول بهذه السلطة القائمة كتعبير عن «السنية السياسية» اليوم، وإما الاضطرار غداً الى مواجهة «بنلادنية» أو «زرقاوية» لبنانية، تعبيراً عن «السنيّة السياسية» الأخرى، البديلة من الحريرية، أو مثل التلويح الحريري النيابي الرسمي بأن «حزب الله» يتحضر عسكرياً «لعملية انقلابية» و“الإمساك بسلطة القرار في البلاد”، بعدما نفّذ أكثر من مناورة حربية لاحتلال بيروت.
ما المقصود بهذا الكلام؟ شعبوية الشارع طبعاً. لكن أيضاً استدرار الدعم الخارجي، وتقديم الأعذار لدى المطالبين بسداد العهود والالتزامات. وفي هذا السياق قد تصير عودة الحصار الإسرائيلي مطلباً، أو على الأقل المأزق الأسهل.