قدّمت وزارة العدل بتاريخ 7/9/2006 تقريراً لرئاسة مجلس الوزراء حول مقاضاة إسرائيل، دولةً ومسؤولين، عن الجرائم التي ارتكبتها في لبنان منذ 12/7/2006. وهذه ليست المرة الأولى التي تقدم فيها وزارة العدل تقارير حول كيفية ملاحقة إسرائيل، بل كانت قدّمت تقريراً بعد عدوان «عناقيد الغضب» عام 1996. أشار التقرير الأخير إلى وجود أربع طرق يمكن من خلالها مقاضاة الدولة العبرية. الطريقة الأولى التي يمكن اللجوء إليها هي محكمة العدل الدولية. العقبة الأساسية أمام اللجوء إليها هي عدم التزام لبنان وإسرائيل بصلاحية هذه المحكمة. لكن، في المقابل، وقّعت الدولتان الاتفاقية المتعلقة بمعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948. وتعطي المادة التاسعة من هذه الاتفاقية محكمة العدل الدولية صلاحية النظر في كل نزاع ينشأ عن تفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها، لذلك يستطيع لبنان أن يتقدم بالدعوى استناداً إلى الاتفاقية المتعلقة بالإبادة الجماعية من دون الحاجة إلى موافقة اسرائيل. وترتكز الدعوى اللبنانية على الأفعال التي قامت بها اسرائيل خلال عدوانها من قصف كثيف ومركّز على المدنيين وقتل المئات منهم وإنذارهم بمغادرة قراهم وبيوتهم وترهيب الباقين، إضافة إلى إثبات استخدامها أسلحة ممنوعة، لتُثبت توافر نيّة الإبادة، بمفهوم اتفاقية 1948. كما أن تقديم الدعوى إلى هذه المحكمة لا يمكن أن يفسر بأنه اعتراف قانوني بالكيان الإسرائيلي. لكن المادة 80 من نظام محكمة العدل الدولية تسمح للدولة المدّعى عليها (اسرائيل) بتقديم دعوى مقابلة تفترض الادعاء بأن لبنان قام بأعمال إبادة جماعية بحق إسرائيل، وهو طرح غير واقعي. يُذكر أنه سبق لإسرائيل أن اتهمت العراق بجرم إبادة جماعية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب ما قام به في مدينة الدجيل، وأدى إلى مقتل 150 مدنياً عراقياً.
ورأى التقرير أن المحكمة الجنائية الدولية هي الطريقة الثانية الصالحة لمقاضاة إسرائيل. تختص هذه المحكمة بالجرائم الأشد خطورة وهي: جرائم الإبادة، الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب. ولا تحاكم المحكمة الجنائية الدولية دولاً، بل أفراداً متهمين بارتكاب جريمة أو أكثر، وهي تضع يدها على القضية بإحدى الطرق الثلاث الآتية:
ـــ إحالة القضية من قبل دولة طرف في نظام المحكمة. وهذه طريقة مستبعدة لأن لبنان وإسرائيل لم ينضما إلى اتفاقية روما التي أنشأت المحكمة بتاريخ 1998.
ــــ إحالة القضية من قبل مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذه الحالة مستبعدة أيضاً لأسباب سياسية معروفة (الفيتو الأميركي).
ــــ أمّا الحالة الأخيرة، فهي إحالة الدعوى من قبل المدعي العام لدى المحكمة المذكورة الذي يحق له التصرف تلقائياً.
وقد لحظت المادة 12 من اتفاقية روما في فقرتها الثالثة أن الدولة غير المنضمة إلى الاتفاقية تستطيع إذا وقعت إحدى الجرائم على أرضها، أن تعلن قبولها بصلاحية المحكمة لهذه الجرائم بالذات. كما يمكنها أن تطلب من المدعي العام أن يتحرك وأن يُحيل القضية إلى المحكمة إذا تبيّن له من التحقيق وجود أدلة كافية تشكل أساساً معقولاً للمحكمة.
كما أشار تقرير وزارة العدل إلى إمكان اللجوء إلى محاكم وطنية، وهي متاحة أمام الأفراد وليس أمام الدولة. لذلك يقتضي الأمر أن تتخذ نقابتا المحامين في بيروت وطرابلس الإجراءات الآيلة إلى إرشاد هؤلاء الأفراد وتقديم القانونية القضائية إليهم، وهذه طريقة ثالثة لمقاضاة إسرائيل.
أمّا الطريقة الرابعة فهي تقديم شكاوى إلى هيئات دولية غير قضائية على أن يتم ذلك بواسطة وزارة الخارجية والمغتربين. ولم يقدم التقرير أي تفاصيل عن الطريقة التي يجب اعتمادها،
وقد أرفقت الوزارة مع تقريرها التقرير السابق الذي أصدرته عام 1996 لأنه «لا يزال يصلح منطلقاً لمقاضاة إسرائيل». واللافت أن تقرير 1996 أشار إلى إمكان اللجوء إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة. كما أنه بيّن بالأدلة عدم توافر عناصر الدفاع عن النفس لدى اسرائيل، باعتبار أن «أعمال حزب الله المسلحة عمل مقاوم مشــــروع بوجه الاحتلال الإسرائيلي المستمر بالرغم من قرار مجلس الأمن رقم 425». وأثبت تقرير 1996 عدم صحة نظرية «الدفاع عن النفس» الإسرائــــيلية، وهــــذه النــــقاط لــم يتــــطرق إليــــها التقرير الحالي قطّ.
وختمت وزارة العدل تقريرها بالقول إن ترجمته تقتضي موافقة مجلس الوزراء على مبدأ مقاضاة اسرائيل، وصدور قرار يمكّن الوزارة من الاتصال بمكاتب المحامين الدوليين. فهل يصدر القرار، أم يكون مصير التقرير كسابقه، في درج رئيس الوزراء؟
(الأخبار)