ربيع شبلي
مبدئياً انتهت الحرب، وما انكشف عن اثر العدوان هو محو ممنهج لذاكرة جبل عامل الممتدة حدوده من نهر الليطاني العصي على الغزاة شمالاً، الى بحر أبجدية قدموس غرباً، الى تلال التبغ وقمم العزة جنوباً وشرقاً.
مبدئياً انتهت الحرب، وبدأ الآن الجهاد الأكبر المتمثل بإعادة الحياة الى شرايين مدن الجنوب ودساكره، وهنا المعضلة الكبرى. فالدمار اللاحق بالعدد الاكبر من هذه المناطق يحتاج الى خبرات اختصاصيين في علم التنظيم المدني والبيئي والاقتصادي والاجتماعي والتاريخي والعمراني. حيال كلّ هذه الامور، تبدو الدولة بكل امكاناتها غائبة عن الساحة تماماً.
وفي ظل هذا الغياب، تحمل البلديات لواء إعادة التنظيم. وهي في معظم الحالات مرهقة تحت الاعباء الخدماتية الملقاة عليها.
ناقوس الخطر يدق، فبعض الافكار، ومن دون دراية مطلقيها، هي ذات اثر سلبي في تكوين النسيج القروي. والمسح الشامل للتجمّعات السكنية أوحى لأصحاب القرار بإمكان تحويل الأزقّة إلى شوارع العشرة أمتار، ونقل القدر المستطاع من الديموغرافية السكانية الى الاطراف، وهذا يؤدي الى افراغ القلب وشل الحيوية المركزية، وتحويل الوسط الى مربعات على شاكلة تقسيمات المدن. أمّا الدمار والردم فأزيلا من معظم المناطق من دون اي شكل من اشكال التوثيق. اختلط الحابل بالنابل والحجر العتيق اكلته اسنان الجرافات.
ناقوس الخطر يدق، فهل من ناصر ينصر قرانا؟ وهل من مستجيب ينظر الينا بعين العاقل؟ الجهاد الاكبر اعادة الاعمار، والحلول السهلة الموتورة قد تقضي على ما بقي من ذاكرة الايام وتعطي العدوان ما اراده.
مقاربة المشكلة تبدأ من الجذور التي تميّز قرانا. فالحجر العتيق، و«الزاقوق»، وكرسي الخشب الممسمر تحت شجرة التين هي اصالتنا. البيوت المتواضعة المتلاصقة المجدولة بالتراب هي من صنعت الولاء للوطن وأعادت الآلاف بسرعة المعجزة.
لا تستهزئوا بذاك الفرن الصغير، فحطبه وقود الطيبة. لا تزيلوا الممرّ الضيق، فالشارع العريض قد يقضي على سهرات الجيرة. لا تستبيحوا التجمعات السكنية لساحات عامة تضيع فيها النسب وتحرق الشمس ارضها الاسفلتية. لا تحوّلوا هذه القرى الى اشباه مدن عبثية. الجهاد الأكبر هو أن نصون عهد شتلة التبغ وزهر الليمون.
ناقوس الخطر يدق فهل من مجيب؟