كامل جابر
لو قُيّض للفلسطيني أحمد محمد حمزة (56 عاماً) أن يختار هويّته قبل استشهاده مع زوجته اللبنانية إنعام عباس العزي (47 عاماً) وولدهما محمد (19عاماً)، لما بدّل جنسيته. ما كان ليبدّلها وإن كانت السلطات اللبنانية تتعامل معها، على أنها جنسية أجنبية، حتى في الموت والاستشهاد على الأرض اللبنانية، رغم اقترانه بلبنانية، ورغم أنه يخبر تراب الجنوب، مثلما يخبر سنوات عمره التي قضاها في لبنان تربية وترعرعاً وشباباً.
قضت الغارة الإسرائيلية، فجر الثلاثاء بتاريخ الخامس والعشرين من تموز المنصرم، على نصف عائلة محمود حمزة وأبقت على النصف الآخر: رولا القاطنة في كفررمان مع زوجها المصري، وشيرين الناجية الوحيدة من تحت الردم بعد استشهاد أهلها وأربعة من أبناء الجيران؛ ومحمود الذي لجأ إلى مستشفى غندور القريب من منزل العائلة في النبطية الفوقا، فنجا. وكان الوالد يعمل في بيع القهوة، وربّى عائلته من تلك المهنة. لكن، بعد استشهاده، لم يترك لـ"نصف" عائلته ما يعينها على الأيام المقبلة، وخصوصاً لشيرين المنتسبة إلى الجامعة اللبنانية، ومحمود الذي لا يؤهله عمره، دون السابعة عشرة، لأن يبدأ بإعالة نفسه وشقيقته، فمن أين لهما سبل الاستمرار في الحياة، إذا كانت تعويضات مجلس الجنوب التابع للدولة اللبنانية لا تطال الشهداء الفلسطينيين الذين لم يميز العدو بينهم وبين ضحاياه اللبنانيين؟ وحدها الوالدة، و"لأنها لبنانية، يمكن أن يحصل ورثتها على تعويض"؛ بحسب ما أبلغ مجلس الجنوب البنتين وشقيقهما، الذين دقوا مختلف الأبواب بحثاً عن طبابة لشقيقتهما الخارجة مصابة من تحت الدمار، وعن تعويض يساعدهم على تأمين حياتهم ومتابعة تحصيل شيرين وتأمين فرصة عمل لشقيقها.
تقول شيرين: «والدي مقطوع من شجرة، لا أهل له أو أشقاء، كانت له شقيقة توفيت من زمن طويل. لنا خال يقبض راتباً لا يتجاوز الأربعمئة ألف ليرة، ويعيل والديه وعائلته. أنا أحتاج إلى طبابة بعد خروجي من تحت الردم بآلام حادة في الأذن التي نزفت دماً وفي الرأس، لا أستطيع نسيان ما حصل؛ لكن لا يمكن ان أستوعب أن جنسية والدي الذي قتله العدو الإسرائيلي تجعلنا من دون حقوق، كأننا لسنا بشراً!».
تتابع شقيقتها الكبرى رولا: «اتصلنا بمجلس الجنوب وأبلغنا بأن التعويض على الشهداء يغطي والدتي فقط، لأنها لبنانية الأصل، ولا يشمل ذلك والدنا وشقيقنا لأنهما "أجنبيان". أصيبت شقيقتي في الغارة وتعاني من إصابتها ومن أوجاع. أعطانا "حزب الله" مبلغ 4600 دولار أميركي بدل أثاث ودمار في جزء كبير من البيت الذي لا يصلح للسكن. لا ندري إلى من نتوجه؟ حزب الله قام بالواجب بما استطاعه، لكننا تحت وصاية الدولة اللبنانية وأمي لبنانية، باب من نطرق لنعالج شقيقتي؟ "الأونروا" لم تسأل عنا ولم يتصل أحد يعمل لديها بنا. أنا متزوجة بشاب مصري يدفع سنوياً مقابل إجازة عمله ولنا طفلة عمرها خمسة أشهر؛ والدي كان "قهوجي" متجولاً، ويعيلنا بما يدخره يومياً من مهنته. اليوم كل شيء راح؛ أختي تحتاج إلى مصاريف الجامعة، وإلا فستتركها، شقيقي دون السابعة عشرة ونحاول تعليمه صنعة، بيد أن ذلك يحتاج إلى وقت. ما زلنا ننتظر بعض الموافقات على دخول شقيقتي المستشفى لمتابعة العلاج، ولم نحصل عليها؛ فليدلنا أولو الأمر إلى من نلجأ؟».