نادر فوز ــ علي صافي الأمين
عادت الحياة إلى الجامعة اليسوعية بداية الأسبوع الفائت لتكون بذلك السباقة إلى إعادة فتح أبوابها، وخصوصاً أنّ عدداً من الجامعات عدّلت جداولها المقرّرة بعد الحرب السادسة. تغيّر المشهد قليلاً عن السنوات السابقة، فالطلّاب غير مستعدّين تماماً لبداية العام الدراسي بسبب العطلة الصيفية الملتهبة التي قضوها

إنّها الساعة العاشرة والنصف صباحاً، ساعة دراسة عادية. يتجمّع عدد من الطلّاب حول أحد المقاعد في باحة الجامعة. يتحدثون، يضحكون، يرتشف بعضهم القوة والنسكافيه. جاد، طالب إدارة أعمال، يجد نفسه منهكاً بعد الحرب الأخيرة. لم يهنأ بنتيجة امتحانات البكالوريا الفرنسية واللبنانية. «ما قدرنا نرتاح من المدرسة، ما عطّلنا السنة»، يقول جاد. بعد الامتحانات كان عليه انتظار قبول الجامعة، ثمّ أتت الحرب. كان ينوي السفر إلى أوروبا لأسبوعين أو أكثر قبل بداية العام الدراسي، ليرفّه عن نفسه، لكنّ الحرب منعته من ذلك.
أمين، زميل جاد، يقول بدوره: «ما حدا مرتاح، ما حدا إلو جلادة يفوت عالصف». لا يأبه لحضور صفوفه رغم الأقساط السنوية التي تسدّد، فيقول: «صرنا جامعة MAN، وهلّأ مني بالـ Mood». لكن أحد أصدقائه فضح أمره: «كان بفرنسا وقت خلّصنا الباك». أمين الذي يجد نفسه غير مستعد للدراسة لم يعش لحظةً واحدةً من العدوان، ويدّعي اليوم أنه غير حاضر لبدء الدراسة، فيقضي أوقاته على المقاعد الخشبية في باحة «اليسوعية- مونو».
في كافيتيريا «مونو»، يجلس عدد من الشبان حول طاولة للعب الورق. يضحكون، يختلفون، تعلو أصواتهم. استبدلوا إحدى ساعات الدراسة بساعة «طرنيب»، رغم منع إدراة الجامعة أنواع التسلية هذه.
منال، طالبة السنة الثانية في الأدب الفرنسي، ترى نظام الجامعة صعباً وصارماً، لا يسمح للطلاب بـ«تغيير الجو والراحة من الدراسة». منال «المقاومة»، كما تصف نفسها، لم تترك لبنان كما فعل العديد من زملائها، بل نزحت إلى منزل في الحمرا خلال العدوان، تحسب نفسها تكمل النضال والمقاومة عبر متابعة الدراسة، «العدو بدّه أن نحن ننهار وما نكفّي حياتنا بشكل طبيعي».
جاد، طالب السنة الثالثة، عاد إلى لبنان منذ أسبوعين؛ كان خلال الفترة الأخيرة في الأردن يحاول الابتعاد عن أجواء الحرب، لكنه قرر العودة لأنه «كأني ضليت واصل من الأردن دغري عالجامعة» يقول جاد، مشيراً إلى أنّ عطلته الصيفية في لبنان «انضربت». عاش معظم أوقات العدوان في لبنان، فأخذ قسطاً من الراحة عند أخيه في عمان، «بس ما كانت مريحة كتير، ما في شي هونيك».
افتتحت «اليسوعية» «موسماً» دراسياً جديداً. لكن الطلاب لم يتأقلموا بعد مع الأوضاع الحالية. فمنهم من أثّرت به الحرب، أزعجته أو حفّزته على العمل، ومنهم من اتّخذها حجةً لـ «تغطية» لامبالاته بالدراسة.
وكانت الجامعة قد عرفت في السنوات الفائتة تطوراً ديموغرافياً على صعيد الانتماءات السياسية لطلابها، فشهدت ارتفاعاً في نسبة الطلاب المؤيدين للمقاومة، من أنصار حزب الله و حركة أمل والشيوعي والقومي، إضافة لمناصري المردة والتيار الوطني الحر. وقد أقامت هذه التيارات تحالفات في ما بينها السنة الفائتة، وأحرزت فوزاً ساحقاً في معظم الكليات وأبرزها كلية إدارة الأعمال وكلية الحقوق والعلوم السياسية. وخاض مناصرو حزب الله وأمل والشيوعي والقومي هذه المعركة تحت اسم تيّار المقاومة، من دون ذكر اسم حزب الله وحركة أمل. لكن إلى متى سيغيب هذان الحليفان عن الظهور إلى العلن، وخصوصاً أن العديد من الاجتماعات بين ممثّلي حزب الله والتيار الوطني الحر تحصل في الكواليس حيث تم الاتفاق على تطوير ما حصل من تحالفات في السابق، بالتزامن مع تحضيرات طلّاب 14 آذار التي بدأت تظهر من خلال التجمّعات داخل الحرم الجامعي، تحضيراً للانتخابات التي أضحى موعدها قريباً.
وعن دور حزب الله في الجامعة اليسوعية، أكّد سلمان حرب، وهو ممثّل عن حزب الله،أنّ حزب الله سيصبح ظهوره أكثر صراحة. أما عن تزامن مهرجان النصر مع بداية العام الدراسي، فلوحظ مشاركة عدد كبير من طلاب الجامعة تحت راية حزب الله، إضافة لأحزاب أخرى، فبدت الجامعة شبه خالية ظهر ذاك الجمعة.
ويقول حرب: «نجحنا السنة الفائتة في زرع بذرة المقاومة، وهذا نتيجة جهود شخصية قام بها بعض الطلاب في السنوات الأخيرة مما مهد لنا الطريق اليوم للبدء في ترسيخ هذا الفكر المقاوم في بعده الوطني الشامل لترجمة النصر في حرب تموز 2006».
ويضيف حرب أنّ حزب الله وحلفاءه لا يغفلون واقع الجامعة، بل يتعاملون معه بما يحقّق أهدافهم ومصلحة الجميع من دون إثارة أية نعرات ومشاكل طائفية قد يسعى إليها البعض: «فقد يكون لحزب الله مرشحون من مختلف الطوائف المسيحية والإسلامية الذين يجمعهم حب المقاومة».