حاوره نقولا ناصيف

اعتبر الرئيس ميشال عون ان قرار مجلس الأمن 1701 «ليس أكثر من هدنة مع إسرائيل، ولا ينطوي على أي حل». ورأى في حديث الى الأخبار «ان كل حل لا يأخذ في الاعتبار الحقوق اللبنانية سيكون منطلقاً لمشكلة أخرى». وقال إن مجلس الأمن انحاز الى إسرائيل لأنه لم يستنكر جرائم الحرب التي ارتكبتها.

¶ .كيف تقرأ القرار 1701 وهل تؤيد التحفّظات التي تحدثت عنها الحكومة اللبنانية و«حزب الله»؟
ــ تحدثوا عن تحفظات ولم يحددوها. ولكن من مجمل البنود يبدو القرار غامضاً ويحتمل التأويل والمراجعة والاختلاف. وهو صيغ بهذا الالتباس من أجل أن يكون في المستقبل مصدر مشكلات وليس حلاً.

¶ ..هل تميّز في القرار بين مطالب للبنان أُهملت وأخرى أُعطيت لإسرائيل؟
ــــ كل ما ورد في القرار يعطي اسرائيل نظرياً ما تريد، لكنها عملياً لم تأخذ شيئاً لأن واقع الحلول المرتكزة على القرار يتضمن التباسات عدة تؤدي الى إعطاء نقاط إيجابية لفريق على حساب آخر، ولم يكن يرمي الى إيجاد حل نهائي للأزمة، وكل حل لا يأخذ في الاعتبار الحقوق اللبنانية سيكون منطلقاً لمشكلة أخرى. وطبعاً لم يأت القرار على ذكر الحقوق اللبنانية. ستكون هناك هدنة مع اسرائيل، أضف أنه ليست هناك في لبنان سلطة قادرة على التفاوض لإيجاد حلول مع اسرائيل. الحكم اللبناني هزيل الى حد بات غير قادر على اتخاذ القرارات، وهو حكم عالق بين الذين يتخذون القرارات على الأرض اللبنانية والمجتمع الدولي والجوار. وعندما يصبح أصحاب القرار موجودين فعلاً في الحكم ولهم صفة تمثيلية للقوى الحيّة في المجتمع اللبناني، عندئذ ننظر الى قرارات إيجابية وحل للأزمة. حتى الآن لم يقدّم مجلس الأمن قراراً ينطوي على حل للأزمة، وإنما تأجيل وتهدئة. وهذا سيء للغاية.

¶ القرار أعطى الحكومة اللبنانية جزءاً مما تطالب به وهو بسط سيادة الدولة على أراضيها، أي جزء من الجنوب، وترك لـ«حزب الله» أن يحتفظ بسلاحه، فهل نحن على أبواب مشكلة داخلية؟
ــــ سيادة الدولة اللبنانية لن تكون مفروضة أكثر أو أقل في المرحلة المقبلة، لأن كل القوانين اللبنانية مطبّقة على الأرض اللبنانية باستثناء أمر واحد لا تتحمل الدولة عبئه ومسؤوليته هو المنطقة الحدودية وأمنها الخارجي. وهذه المسؤولية متروكة لـ«حزب الله»، إلا أن سلطة الدولة لا تكون إلا عندما تعمّ كل الأراضي اللبنانية بما فيها مزارع شبعا. على الأرض في الجنوب هناك قوى الأمن والجيش والإدارة والمحاكم وكذلك فرض القوانين. هناك سيادة القوانين اللبنانية على الأرض اللبنانية، لكن شقّ الدفاع عن لبنان تُرك للحزب، وقد أظهر أنه جدير بهذه المهمة.


¶ .تصاعدت بعد صدور القرار 1701 وتيرة الانتقاد عند فريق الغالبية وبرز التلويح بفتح باب تصفية الحساب مع «حزب الله» وتحميله مسؤولية ما حصل في لبنان. فهل تلاحظ في ذلك إشارة الى نقل نتائج الحرب الأخيرة الى الداخل؟
ــ أظن أنهم بذلك يرتكبون خطأً كبيراً، ويكونون بذلك قد دخلوا في مؤامرة جديدة. ليس لهؤلاء أن ينتقدوا، لأن «حزب الله» وسلاحه وُلدا من تقصير الحكم الذي استمر في تقصيره في تحمّل المسؤولية على الحدود مع اسرائيل. وإن استعمال ذريعة أسر الجنديين الاسرائيليين لتبرير أسباب الحرب الاسرائيلية على لبنان غير صحيح، لأن من يراجع المواقف والإعلامين الاسرائيلي والأميركي على السواء، يكتشف أن هذه الحرب كانت مقررة، وأن الذريعة هي الشرارة التي أطلقت الحرب. كما أن شمولية رد الفعل وتدمير البيوت والمنشآت، إضافة الى موقف مجلس الأمن الذي لم يستنكر جرائم الحرب التي ارتكبتها اسرائيل، كل ذلك يشير الى أن المسألة أبعد بكثير من أسر جنديين. وآمل في أن يتعقّل هؤلاء وألا يحمّلوا فريقاً لبنانياً مسؤولية الحرب.

¶ .ماذا عن مصير سلاح «حزب الله» الذي سيخرج من المنطقة المنزوعة السلاح الى شمال نهر الليطاني، وسيظل يقول بتحرير مزارع شبعا، فهل نعود مجدداً الى السجال الداخلي المحيط بهذا السلاح؟
ــــ عندما تقرّ الحكومة اللبنانية بأن مزارع شبعا غير لبنانية، عندئذ تُساجل «حزب الله» في سلاحه وغير سلاحه. وبصرف النظر عما يمكن أن يقوله الحزب لأن ذلك هو موقفه، ينبغي أن نسأل الحكومة عن خططها لتحرير مزارع شبعا. لتقل إنها ليست لبنانية وتتخلَّ عنها فنسقط عندئد شرعية سلاح «حزب الله».

¶ .لكنها تقول إن المزارع لبنانية وتريد من سوريا ما يوثّق ذلك؟
ــــ عندما رسمت الأمم المتحدة الخط الأزرق مع لبنان، هل أخذت منه وثائق بذلك. مَنْ وضع مزارع شبعا ضمن الخط السوري ما دامت هناك وثائق وخرائط رسمية من عام 1923 تقول بأنها ملكية لبنانية، وهناك صكوك قانونية بذلك، وهناك أيضاً سكان لبنانيون من أهالي مزارع شبعا. فهل نريد شهادة من سوريا بذلك؟ الأمم المتحدة مقصّرة بذلك وتلقي المسؤولية علينا وتتلطّى وراء سوريا التي اعترفت بدورها بأنها لبنانية، أليست الدول الكبرى هي التي رسمت الحدود ووضعت الخرائط بين بلدان المنطقة، بين لبنان وفلسطين وبين لبنان وسوريا وبين فلسطين وسوريا. أليس الفرنسيون هم من فعل ذلك. نقبل بتحكيم فرنسي في تحديد ملكية مزارع شبعا. لا أفهم سبب افتعال هذه المسألة الشكلية لتعطيل الموضوع الرئيس وهو ملكية المزارع.

¶ .وما هو جوهر الموضوع؟
ــــ إن اسرائيل لا تريد الخروج من مزارع شبعا وتريد أيضاً الاستفادة من مياه المنطقة، التي هي حق للبنانيين.

¶ .ربما سوريا تريد إبقاء النزاع قائماً بينها وبين اسرائيل من خلال المزارع ومن أجل استمرار النفوذ السوري في لبنان بطريقة ما؟
ــــ اسرائيل هي التي تربط النزاع مع سوريا من خلال لبنان وليس العكس. وفي أي حال سواء كانت سورية أو لبنانية، فإن مزارع شبعا ليست اسرائيلية، وعلى اسرائيل الانسحاب منها.

¶ .ولكن ماذا عن سلاح «حزب الله»؟
ــــ يجب إدخاله في خطة استراتيجية دفاعية تحت سلطة الدولة. لننجز هذه الاستراتيجيا وينتهي أمر هذا السلاح. لماذا لا تملكه الدولة اللبنانية من أجل الدفاع عن نفسها ضمن خطة دفاعية. وفي أي حال، الكلام على خطة دفاعية للبنان لا يعني الاعتداء والتوسّع. وهل يجب أن ننسى عندما يتحدثون عن تأثير إيران وتوجيهها «حزب الله» أن هذا الأخير وافق على القرار 1701 وإن بتحفظات، وأن إيران رفضته.

¶ .هل تعتبر أن الحكومة لا تزال صالحة للاستمرار في مرحلة ما بعد تنفيذ القرار 1701؟
ــــ لنر الى أين يمكن أن تصل الحكومة بعد كل الأخطار والتهديدات التي حمّلتنا إياها والفشل الذي قادنا بفعل سياستها الى الكارثة سواء جراء تكوينها أو سلوكها أو حتى علاقاتها الخارجية. المأساة وقعت. إذا أرادت أن نساعدها من أجل تكوين سلطة جديدة فنحن جاهزون، وإلا فلتتحمل وحدها وزر ما حدث.



¶ .إذاً أنت لست في صدد قيادة حملة لإسقاط الحكومة؟
ــــ إطلاقاً. لن نقدم على ذلك حتى لا يقال إننا نريد الوصول الى السلطة. إذا أرادت الأكثرية أن نشاركها فمن أجل تكنيس الأوساخ التي ألقت البلاد فيها. لا نريد سلطتهم هذه إذا شاؤوا. صحتين عليهم ومبروك.
¶ .هل تعتقد بأنه كان ثمة دور «متواطئ» للحكومة أو بعضها أثناء الأحداث الأخيرة؟
ــ هناك مؤشرات. البعض تقرَّر للبنان سابقاً وكان ينتظر التوقيت، فهل نعود ونحمّل وزر ما حدث لأسر الجنديين الاسرائيليين عند الحدود؟ لا أحد يصدق أن حادثاً صغيراً كهذا يمكن أن يؤدي الى حرب كبيرة كهذه تهدف الى تدمير بلد بكامله وقتل شعبه سواء كنت مع «حزب الله» أو ضده، فكيف إذا كان الحزب واسرائيل يديران خلال 20 سنة قواعد الصراع بينهما، فتفاوضا عبر الألمان أو فريق ثالث أكثر من مرة بطريقة غير مباشرة.
«حزب الله» ليس مجموعة مسلحة وإنما هو شعب لا يمكن إفناؤه، وهذه حرب بين دولة مدمِّرة وإنسان «حزب الله»، والإنسان هو الذي يغلب الآلة لأن الذي اخترعها هو الذي يعطلها. قلت تكراراً منذ البداية بضرورة وقف هذه الحرب في أسبوعها الأول وتخفيف الخسائر لأن استمرارها أسبوعاً ثانياً وثالثاً وشهراً وشهرين لن يؤدي الى رابح وخاسر. في حرب كهذه لا أحد يربح ولا أحد يخسر. هذا ما حصل الآن. هل توصّلنا الى السلام، طبعاً لا. إنهم يحضّرون لحرب جديدة ولكن متى، لا أعرف.

¶ .هل تعتقد بأنه كانت هناك «ديبلوماسية سرية» للحكومة أو بعضها؟
ــــ بمجرد أن هناك ديبلوماسيتين إحداهما رسمية معطلة وأخرى خاصة مخفية يقوم بها فريق في الحكومة مع الجهات الخارجية وغير شفافة، فلا بد عندئذ من وضع علامة استفهام. مراراً أطلقت صرخات عن أسباب التجول في العواصم الأجنبية والعربية فيما الحل هنا وبسيط ومطروح على طاولة الحوار الوطني، لكنهم نسفوا الحوار، وفضّلوا أن يصغوا الى أصوات أخرى أجنبية لا الى أصوات الحوار الداخلي. هذه السلطة اكتفت ببوقها الذي يصدر أصواتاً الى الخارج بحجة أن ذلك يرضي الغرب. وهذه مشكلة رئيس الحكومة الذي وقع في خلل يتمثّل بعدم إقامته رابطاً بين حاجات شعبه الداخلية وبين صداقاته الخارجية.

¶ .هل تلوم «حزب الله» على توقيت أسر الجنديين؟
ــــ طبعاً ألومه على هذا الخطأ. ارتكب خطأ بهذه العملية لكنه في الوقت نفسه وفّر غطاء له، هو أنه لم يكن الوحيد الذي فوجئ بالحرب بل إن اسرائيل التي كانت تنتظر هذه الذريعة لشن الحرب فوجئت بدورها بأن «حزب الله» كان مستعداً لهذه الحرب الشاملة على أكمل وجه وبكل الإجراءات اللازمة. لم يكن الحزب يريد الحرب بل تنفيذ عملية أسر محدودة. مع ذلك لم ينكسر ولم يخسر الحرب.

¶ .أين تضع مكاسب «حزب الله» في هذه الحرب، باستثناء مسألة الصمود، التي يوازن بها الخسائر الضخمة التي مُني بها لبنان؟
ــــ هذه الحرب كانت كارثة حتى لمن يمكنه أن يكون قد ربحها. في القضاء يُقال دائماً إن التسوية مع الخصم هي أفضل من ربح الدعوى لأن نفقات هذه أحياناً تكون أكبر من جدوى ربحها. في هذه الحرب كان من الضروري التوصل الى تسوية لتفادي الخسارة التي وقعت، والتسوية كانت أفضل من الانتصار.


¶ .مسؤولية مَنْ هذه التسوية؟
ــــ مسؤولية الحكم والحكومة اللبنانية. لو أن المسار الديموقراطي أخذ مجراه الطبيعي لكان في الإمكان القول بتوسيع نطاق المسؤوليات، لكن فريق الغالبية ورئيس الحكومة هما اللذان كان بيدهما الحل والربط في هذه الحكومة، وحتى «حزب الله» لم يكن في يده الحل والربط. كان الأحرى عند الخلاف مع «حزب الله» استقالة الحكومة الحالية وتأليف أخرى تمثّل القوى السياسية الفاعلة الأخرى، وبهذا ما كانت قد وقعت المشكلة عند الحدود ولا في الداخل. لكن الغالبية تذرعت بأن استقالة الحكومة ستؤدي الى فراغ دستوري وقالت إنني أسعى الى ذلك، وهذا هراء. هناك نية جرمية كبيرة وواضحة لدى هذه الغالبية.

¶ .قلت إن القرار 1701 هو هدنة وهذا انطباع متشائم بأننا لم ندخل في الحل، وإن القرار لا يحمل حلاً، فهل ستطول الهدنة أو ستكون هناك جولات أو سنكون في مأزق مع اسرائيل وفي الداخل؟
ــ أعتقد بأن الأفرقاء المحليين غير الممثلين في الحكومة لن يدخلوا طرفاً في هذا الصراع. نحن التيار لن ندخل في هذا الصراع. إذا كانت الحرب عند الحدود فلتكن هناك، لماذا نقل المشكلة الى الداخل؟ القرار لا يحل المشكلة وسيكون في وسع أي فريق إيجاد الذرائع لتفجير الوضع. الأمر مرتبط بنيّات المتقاتلين، وفي الغالب نيّات اسرائيل. في أي حال لا أملك أسرار «حزب الله» ولا أسرار اسرائيل وأميركا.