ابراهيم الامين
ليس هناك مؤشر على ان القرار 1701 سيكون حاله افضل حالا من غيره من القرارات الدولية التي تخص المنطقة او حتى العالم. ثمة قدرة وتوازن ينتجان القرارات في مجلس الامن وثمة حاجة الى قدرات وتوازنات لوضعها موضع التنفيذ. ومع ذلك فان ما شهدته الساحة الداخلية امس لا يعكس سوى الصورة نفسها للعــــدوان الاسرائيلي المســـتمر.
وجرت مناقشات قبل جلسة الحكومة أول من امس، وقبل الاعلان عن تاجيل الجلسة الوزارية امس، صورة غريبة عن واقع لبنان الحالي. اذ ان فريق الاكثرية قرر المضي في المعركة التي بدأتها اسرائيل عسكريا، وهو الامر الذي خلق مناخا قد يؤدي بأسرع مما كان متوقعا الى اسقاط الحكومة الحالية والبحث عن اخرى تعكس التوازن الحقيقي في البلاد وتكون اكثر قدرة على ادارة البلاد في المرحلة المقبلة.
والعنوان الرئيس لفريق الاكثرية هو: نزع سلاح المقاومة. والحجة ان مجلس الوزراء وافق في حضور وزراء حزب الله على القرار 1701 الذي ينص، بحسب تفسيرات فريق الاكثرية نفسه، على نزع هذا السلاح. وان قرار ارسال الجيش اللبناني الى الجنوب وانتشار وحدات اضافية من قوات الطوارئ الدولية يجب ان يكون مرتبطا حكما بنزع سلاح المقاومة جنوب نهر الليطاني. كما يعتقد فريق الاكثرية بأن القرار الدولي يلزم لبنان تنفيذ القرار 1559 واتفاق الطائف الذي يعني ايضا في رأي هؤلاء نزعا فوريا لسلاح المقاومة.
في الوقائع، كانت المداولات السابقة على صدور القرار الدولي تتجاوز كثيراً من العقبات. حتى ان المقاومة وافقت على خطوات قررها وبادر اليها فريق الاكثرية من اجل “التماسك الداخلي”، كما يعبر قادة حزب الله. لكن لدى هؤلاء اسئلة عن سبب استعجال لبنان في حرق اوراقه السياسية طالما ان العدوان لم يحقق اغراضه الميدانية، وطالما انه اجهز على البلاد. وبالتالي فما الذي كان يلزم الحكومة بالنقاط السبع كما وردت والتي تبين ان مجلس الامن اخذ منها ما يناسبه وتجاهل البنود الاخرى. ثم لماذا كان الاستعجال في القرار المتعلق بنشر الجيش في الجنوب طالما ان ليس هناك توافق على مسار الامور سياسيا وميدانيا.
ومع ذلك تبين ان مجلس الوزراء كان سجل قرارا يقول بالاستعداد لنشر الجيش جنوبا. ومن ثم اظهرت محاضر الاجتماعات الوزراية والثنائية، ان حزب الله ابلغ رئيس الحكومة ووزير الدفاع الياس المر ان هناك تفصيلا وشروحات لتنفيذ هذا الاستعداد او هذا القرار، لكنها تترك الى وقتها. لكن وزير الدفاع جاء الى جلسة الحكومة معربا عن استعداد قيادة الجيش لتنفيذ القرار فور صدوره شرط الا يكون هناك اي وجود مسلح لغير الجيش. وقال حزب الله انه سيقوم بخــــــطوات من شــــأنها عدم احراج الجهات اللبنانية في هذا المجال.
وبعدما وردت هذه الاجوبة الى الجهات المعنية، كان الفريق الدبلوماسي الغربي الذي يدير البلاد، ويدير فريق الاكثرية على وجه الخصوص، قد باشر مهمته بطريقة مختلفة. فتولى السفير الاميركي جيفري فيلتمان الاتصال مباشرة بقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، ثم زار وزير الدفاع الياس المر في منزله، كما استقبل الاخير لاحقا السفير البريطاني جيفري واط للغرض نفسه، قبل ان يزور السفير الاميركي قيادة الجيش برفقة مساعديه السياسيين والامنيين. وتم حصر جدول الاعمال بنقاط محددة:
ماذا يعني الاستعداد للانتشار وماذا يجب ان يكون عليه هذا الاستعداد ومن هي القوى العسكرية التي ستنتشر ومن يقودها وكيفية تركيبتها الطائفية والاجتماعية وحتى هوية الضباط الذين سبق ان تلقوا تدريبات في سوريا والضباط المسيحيين القريبين من التيار الوطني الحر وخلاف ذلك، اضافة الى ضرورة نزع سلاح المقاومة قبل اي خطوة او اثناء تنفيذها.
واذا كان في قيادة الجيش من تنبه الى هذا الامر على خلفية ان اي خطأ في هذا السياق يؤدي حكما وبأسرع من اي شيء اخر الى وضع الجيش في مواجهة الناس جنوبا ما يؤدي الى فرطه. فان في فريق الاكثرية من لم يهتم لغير امر نزع سلاح المقاومة. حتى جاءت الجلسة الحكومية الاخيرة لتعكس مفارقة عجيبة: اسرائيل شنت حربا معلنة وقاسية ولا سابق لها في التدمير، وقال كل قادتها ان الهدف هو نزع سلاح المقاومة. وبعد شهر من العدوان وفشل هذه المهمة وانتهاء المساعي الدولية الى خطوة تقول بابعاد حزب الله عن الحدود وان لا جيش في العالم قادر على هذه المهمة، كما صرحت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني، خرج في بيروت، ومن فريق الاكثرية على وجه التحديد ومن داخل الحكومة، من يريد تنفيذ هذه المهمة ويجعل المطلب شعارا لحملته السياسية الجديدة.
وحتى لا يكون الامر على شكل مواجهة مفتوحة من دون افق. سارع فريق الاكثرية الى ايفاد “افراد من لواء غولاني” فيه الى الرئيس نبيه بري لحضه على اقناع حزب الله برمي ســـلاحه و دعم هذه الخطوة. وخرج من بين هـــؤلاء “ضــــــباط” ينسبون الى رئيس المجلس كلاما مفاده انه موافق على هذا الامر. ما اضطر الاخير الى قول كلام قاس لاقطاب من هذا الفريق، والى المساعدة علـــى تحديد سقف للنـــــقاش حول هذا الموضوع.
ومع ذلك تطوع الرئيس السنيورة في جلسة الحكومة أول من امس للعب دور القائد الميداني، مظهرا عن قدرات لم يعرفها اللبنانيون طوال الشهر الفائت، واستفاد من “وحدة الكومندوس” التي قادها الوزراء مروان حمادة وبيار الجميل ونايلة معوض، بغية اعتبار نزع سلاح الحزب شرطا لتنفيذ القرار الدولي، وطلب من قيادة الجيش القول ان الانتشار العسكري لا يمكن ان يتم من دون نزع السلاح. ثم بدأ التهويل بالقول ان القوة الدولية لن تصل وانتشار الجيش لن يحصل الا بعد سحب السلاح، وان العالم سيحرمنا المساعدة على اعادة اعمار ما هدمته الحرب وان اسرائيل ستواصل العدوان...
لم يكن ممكنا التجاوب مع الرغبات الاميركية المقدمة الان بلسان فريق الاكثرية. والخيارات المفتوحة امام فريق المقاومة وحلفائه واضحة ومحددة:
1 - سلاح المقاومة خط احمر غير قابل لاي نوع من التفاوض.
2 - الاسيران الاسرائيليان لن يطلق سراحهما الا من خلال مفاوضات غير مباشرة وعملية تبادل.
3 - لا مجال لاي تفسيرات اضافية لقرار مجلس الامن وحده الاعلى وقف اطلاق النار.
4 - اذا اصر فريق الاكثرية على موقفه فليتخذ قراره بنفسه وليتحمل المسؤولية والخيار البديل فرط الحكومة فورا والاتجاه الى تشكيل حكومة جديدة بغير التوازن القائم.
كان مسلما به ان الولايات المتحدة التي تستمع الى الصراخ السياسي الذي سيفجر الحكومة الاسرائيلية لن تقبل بان يحصر الامر في تل ابيب وهي تريد الصراخ ان يعم بيروت ولو تطلب ذلك الفوضى.