نبطية ــ كامل جابر
دوي ما رهيب كان يحبس الأنفاس، في الساعة الأخيرة، التي سبقت وقف النار، إذ تجلّت العدوانية الإسرائيلية بانفلات عقال الطائرات والمدفعية الثقيلة، غارات وقصفاً، كادا لا يوفران بلدة وقرية في محيط النبطية، بل حياً في المدينة عينها. وظن من يراقب برعب اللحظات الأخيرة أن لا وقف لآلة الدمار والموت الصهيونية.
مرت الدقائق عصيبة قبل اختفاء هدير الطائرات، غير المنقطع مدة 33 يوماً ونصف اليوم، ليسود صمت، قبل أن تتبدّى الحقيقة على حجم الدمار الذي خلّفته غارات الساعة الأخيرة قبل وقف النار. من النبطية المدينة، إلى حبوش، شوكين، زبدين، ميفدون، جباع، كفرصير، يحمر، وغيرها، كأن الدمار كان يسابق الزمن، إذ حوّل الساحات الرائعة خراباً، والقصور المتواضعة في النبطية أطلالاً، وعشرات الأبنية والبيوت المحببة إلى أصحابها دماراً لا يفقه من كنهه ما كان أصلاً.
ظل محمد شعبان "أبو زهير" يحسب الدقيقة تلو الدقيقة انتهاء هدير الطائرات ليترك صيدا نحو النبطية، بعدما حلّ في الأسبوع الأخير ضيفاً، عند أقاربه، في طلعة المحافظ، ليشهد هناك الرعب الذي تبدّى من الغارة على محطة التحويل الكهربائية القريبة جداً ودمرت أعمدة التوتر العالي، فقطعت التيار عن صيدا والجوار، وراح يتداول ليلاً مع زوجته وابنتيه، كيف سيصلح كذا وكذا بعدما قصفت الطائرات المعادية منازل مجاورة ودكّتها وخلّفت في دارته التي بناها حجراً تلو حجر، على مدى سنوات عمره التي تجاوزت الستين. وما إن أطل الصباح حتى تلقّى من وحيده الطبيب زهير، الملتحق، طوال العدوان، بالمستشفى الحكومي في النبطية، أنّ غارة قبل وقف النار، دمرت الدار، فرد: "المهم أنكم جميعاً بخير... والمهم انتصار المقاومة وهزيمة إسرائيل".
الصواريخ الضخمة لم تصب فقط دارة أبي زهير، بل وجّه بعضها إلى جامع الحي والعديد من البيوت المجاورة فتحولت خراباً.
أما في حي البياض، فثمّة شارع، كان عامراً بأهله وأبنيته، بات يحتاج إلى إعادة رسم وتشكيل، لم توفر الغارات الأخيرة قبل الثامنة، معظم ما كان منتصباً من أبنية جميلة فيه، فانتقمت الطائرات منها ومن أهلها، من جمهور المقاومة.
عاد إبراهيم عبد الرسول أمين البالغ سبعين عاماً، بعد ساعة من وقف النار إلى بلدته ميفدون، في قضاء النبطية، ليجد بيته، والمبنى الذي شيّده مع أولاده، المؤلف من خمس طبقات، عند المدخل الرئيسي للبلدة، ركاماً. وقد قال: "بنيت أنا وأولادي هذا المبنى المؤلف من خمس طبقات، بعنا شققاً واحتفظنا ببعضها لنا، أثثها الأولاد بأفضل ما يمكن. لي دكان تحت المبنى أعتاش منه، راح كل شيء".