نقولا ناصيف
تنتظر المشاورات الاتفاق على تحديد موعد لانعقاد مجلس الوزراء مجدداً من أجل وضع آلية تنفيذ القرار 1701 الذي أصدره مجلس الأمن في 11 آب الفائت. ويصطدم التئام مجلس الوزراء بأكثر من تفسير للمراحل الأولى من تطبيق القرار التي لم تعد تقتصر على جانب تقني، وهو نشر الجيش اللبناني والقوة الدولية في المنطقة التي طلب مجلس الأمن أن تكون منزوعة السلاح بين جنوب نهر الليطاني و«الخط الأزرق»، بل برز فيها الجانب السياسي أيضاً.
ويفترض في الساعات القليلة المقبلة ان تحدد قيادة القوة الدولية في الجنوب الساعة الصفر العملية للانتشار في ضوء خرائط كانت قد درستها في اليومين المنصرمين مع قيادة الجيش توصلاً الى توزّع التمركز بينهما. ويُنتظر ان ينتشر الجيش اللبناني على امتداد «الخط الازرق» من الناقورة حتى بلدة الغجر، وهي الموقع الأخير الذي ينتهي عنده. لكن بضعة اجتماعات واتصالات اجرتها قيادة الجيش مع القوة الدولية، وخصوصاً انطلاقاً من موقف الاخيرة ان على الجيش ان يبسط سلطته في كل اماكن الاحتكاك العسكري بين الجيش الاسرائيلي و«حزب الله»، افضت الى توقّع تمدد الجيش حتى مزارع شبعا. وقالت وجهة نظر قيادة القوة الدولية ان شمول انتشار الجيش منطقة المزارع يتطابق مع روح القرار 1701.
تبعاً لذلك يرتكز هذا الجانب من خطة الانتشار على المعطيات الآتية:
1 ــ ربط «الخط الازرق» بمزارع شبعا على طول الحدود اللبنانية ــ السورية في منطقة المزارع، بحيث ينتشر الجيش على القسم غير المتنازع عليه مع سوريا في منطقة مزارع شبعا.
2 ــ نظراً الى وجود موقعين للجيش الاسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية في منطقة المزارع (غير المتنازع عليها) احدهما عند الحدود، هو جبل مغر السماقة، والآخر في عمق 500 متر هو جبل الرواس، تتجه الحكومة اللبنانية إلى الطلب من الأمم المتحدة العمل لدى اسرائيل لإخلاء هذين الموقعين لاستكمال انتشار الجيش في المناطق اللبنانية من المزارع غير المتنازع عليها. اما على الطرف الآخر من هذه الحدود، اي المناطق المتنازع عليها بين لبنان وسوريا، فيستمر الجيش الاسرائيلي في مواقـــعه.
3 ــ مغزى ذلك ان «حزب الله» سيبتعد عن خط المواجــــــهة في مزارع شبعا، وهو ما يعكس واقـــــعياً تــــــوقف اعمــــــال المقاومة وجهاً لوجه في هذه المنــــــطقة التي تصبح حين ذاك تحت سيـــــــطرة الجيش اللبناني. بذلك يصار الى تحييد مزارع شبعا عن الصراع المفتوح بين الحــــــــزب واســـــــرائيل منذ عام 2000، ويُمهّد لترســــيم جديد للحــدود اللبنانية ــ الاسرائيلية واللبنانية ــ السورية عبر تمدد «الخــــط الازرق» من الغجــــر حتى سفوح جـــــــبل الشــــــــيخ حيث منطـــــقة المزارع. وهـــو مغــزى اصـــرار القرار 1701 على تطبـــــيق القــرار 1680.
ويأتي الاتفاق على ضم مزارع شبعا البعيدة، جغرافياً، عن المنطقة المنزوعة السلاح التي حددها القرار 1701، وهي الممتدة من جنوب نهر الليطاني حتى «الخط الازرق»، ترجمة لجدية سعي المجتمع الدولي الى ايجاد منطقة حدودية آمنة مع اسرائيل تنزع ذرائع المواجهة العسكرية مستقبلاً. ويبدو، طبقاً للمعلومات نفسها، ان المشاورات المرتبطة بتنفيذ هذه الخطة قطعت شوطاً مقبولاً حتى الآن خلال اتصالات كانت قد بدأت السبت الفائت غداة صدور قرار مجلس الأمن، وشملت الأفرقاء الثلاثة المعنيين بالرقعة الأمنية هذه من المزارع حتى الناقورة، وهي الجيش اللبناني والقوة الدولة و«حزب الله».
مع ذلك لا تخلو هذه الخطة من مشكلة تكمن في تفاصيلها. وهي ليست المشكلة الوحيدة.
في واقع الأمر واجه فريق الغالبية في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، في الساعات الاخيرة، مشكلة مماثلة في صعوباتها، هي ان «حزب الله» يتريّث في اخراج سلاحه من المنطقة المنزوعة السلاح. بل ان افرقاء بارزين في الغالبية لمسوا من الاتصالات التي اجريت بمسؤولين في الحزب رفضه اخراج ترسانة الصواريخ التي يملكها في جنوب نهر الليطاني، وتمسكه بالمحافظة عليها من دون الكشف عن مخابئها، ولا التصريح عن حجمها وقدرتها. وبحسب الاجوبة التي حصل عليها افرقاء في الغالبية، يصر «حزب الله» على:
- التمييز بين موافقته على انتشار الجيش والقوة الدولية في الجنوب حتى «الخط الازرق»، ومصير مخابئ الصواريخ. وهو اذ ابدى موافقته على كل الاجراءات التي يريدان اتخاذها لمنع المظاهر المسلحة غير الشرعية وتوقيف المخالفين ومصادرة السلاح الفردي، يضع مخابئ الصواريخ خارج هذا التفاهم.
ــ لا يوافق فريق الغالبية «حزب الله» على تبرير تشبّثه بالصواريخ هذه، وهو أن اخراجها من المنطقة المنزوعة السلاح يشكّل مكسباً سياسياً لاسرائيل بعدما عجزت عن اكتشاف اماكن هذه الصواريخ، علماً ان ابعادها عن الحدود الشمالية مطلب رئيسي للدولة العبرية تبناه القرار 1701. وفي اي حال يرى الحزب انه لم يخسر الحرب حتى يطالب بالتخلي عن السلاح الأمضى الذي واجه به الجيش الاسرائيلي.
- يدرك الحزب ان رفضه التخلي عن صواريخه يجعل تنفيذ القرار 1701 اكثر تعقيداً، ما لم يجعله في مهب الريح. وقد لا يكون نادماً على خيار كهذا.
واستناداً الى ما تكشفه اوساط وزارية واسعة الاطلاع، تكمن المشكلة في الشكوك المتبادلة بين فريقي الحكومة. فرئيس الحكومة، ابان المشاورات التي سبقت تصويت مجلس الأمن على القرار 1701، اعطى موافقة الحكومة اللبنانية علىه في ضوء اتصالات متلاحقة بينه وبين الرئيس نبيه بري ومسؤولين في «حزب الله»، وابلغ الموافقة هذه الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان قبل ان يصطدم مساء السبت بالتحفظ الذي سجّله وزيرا الحزب. كان الاتفاق مع الأخير هو على نشر الجيش في منطقة لا وجود فيها لسلاح غير شرعي، ولكن من دون الخوض في التفاصيل. والمقصود بذلك وجهة النظر الفعلية للحزب، وهي انه يميز بين منطقة خالية من السلاح وسلاح استراتيجي يفضّل ان يظل في مخابئ مجهولة ولا يخرجه الى شمال نهر الليطاني، وفي اي حال لا يصرّح عنه ولا يقدّم به.
ولعل ما رمى اليه الحزب هو الا يكون سلاحه ظاهراً. وفي ذلك مكمن خلاف جوهري ودقيق بين الغالبية و«حزب الله»: يريد الفريق الاول منطقة منزوعة السلاح، والآخر لا مظاهر سلاح علنية فيها.