آمال خليل
ما إن أُُعلن موعد وقف النار، حتى وضّب الجميع أغراضهم وأحزانهم وانتصارهم وانتظروا في ملعب المدرسة أن تحين الثامنة صباحاً. ولكنهم لم يتوقّعوا أنّ هذه الثامنة ملغومة بمآس جديدة وعدوان جديد. بالتأكيد، كانوا ينتظرون ساعة ذات لون ومذاق مختلف.
أمّ رؤوف لم تسلّم عينيها للنوم في إحدى مدارس صيدا حيث نزحت قبيل مجزرة صريفا. تقول إنّها أيقنت دائماً أن يوم الرجوع لا بد آت، فلم ترتح في نومها خارج بيتها. بالأمس، وكما اعتادت منذ 30 يوماً، أقامت صلاتها في الفجر ورتّبت غرفتها وغسلت ثياب أبنائها وحضرّت لهم الفطور. كانت فرحة جداً لأنها ستعود بعد قليل إلى عاداتها الأصيلة وبيتها.

تقول: «كل أمر يهون لدى عودتي إلى بيتي». ابنها رؤوف سبقها إلى هناك. «مسكين لم ينتظر وقف النار، فهمه كبير إذ لم يبق له صديق فوق الأرض في صريفا»، تتحسّر الأم عليه وتلجأ إلى زاويتها الحزينة مرة أخرى. عندما يُعلمها أحدهم أن بيتها الذي صمد 33 يوماً، سقط في الفجر الأخير، تبكي رافضة العودة إلى صريفا. بالأمس قُصف بيت في الغارة الأخيرة على البلدة، فتوضح لجارتها أم كامل التي خسرت بيتها أيضاً، أنها ليست «زعلانة» على الحجر، بل خجلة من نفسها لأنها لم تخسر أحداً من أبنائها شهيدا. كانت «تنوي أن تستضيف جيرانها وأقاربها الذين خسروا بيوتهم في بيتها. أما الآن فاستضافتهم جميعاً ستكون لحقول البلدة في الخيم».
عندما اقتربت الثامنة صباحاً وحان موعد وقف النار، بدأ العدوان عند أخوات عباس الأربع، خديجة وفاطمة وسمر وزينب. كنّ يهدّأن أمهنّ التي خسرت وحيدها تحت أنقاض منزلهم. لم تذرف أي منهن دمعة. غادرن البلدة وقت المجزرة. لم يقفن على أطلال بيتهن وأشلاء أخيهن. سمعن الخبر كما سمعه الغرباء. تأثرن بالخبر كما تأثر به الغرباء. لم تصدق خديجة بعدُ أن «كل هذا الخراب قد حلّ بالبلدة أو أن أجساد الشباب باتت في أمعاء الكلاب». لم تستوعب «كيف أن الناس سيعيشون في الخيم على ركام منازلهم». تقول «إنه حكي». لكنها تستدرك فتقول «وكيف يكون كذلك وعمال الإنقاذ لم يجدوا جثة أخي بعد».
وهي ذاتها الثامنة صباحاً التي حلمت بها دائماً زينب حمزة (10 سنوات)، مذ تركت المنصوري قبل 20 يوماً. تقول إنها في نومها كانت تزور منزلها كل يوم. لكنها كانت تجده جميلاً كما كان وليس ركاماً كما أخبروها وشاهدته على التلفاز. في نومها كل شيء لا يزال جميلاً. ولأنها تريد أن يبقى كذلك رفضت أن ترافق أهلها الذين عادوا إلى البلدة بل بقيت مع أقاربها في مركز النزوح في صيدا.