نادر فوز
«ما بتطلع لا بشهرين ولا بتلاتة»، يقول أحد سكان الضاحية، وهو يجول بنظره حول بورة كبيرة كانت تضمّ الكثير من الأبنية السكنية التي أصبحت مطبقة على بعضها بعضاً.
يعود أبو محمد بعد غياب. يقف على سطح المبنى الذي سكنه لأعوام عديدة. لم يجد شيئاً ينتشله من أغراضه! ينوي العودة إلى مكان نزوحه، حيث بيت أخيه، في رويسات صوفر؛ «ما فيّي إستأجر ببيروت»، يقول أبو محمد. ابتعاده عن المنطقة لن يمنعه من العمل، فهو لا يملك محلاً وليس موظفاً في مؤسسة دمّرت، بل سينتقل بسيارته العمومية للعمل بين المنطقتين. أما الحاج عدنان ادريس، الذي لجأ في الفترة السابقة إلى منزل اقارب له في بشامون، فتفقّد منزله وتأكد من صموده. «بس ما بينسكن هون بعد!» يقول الحاج. المنزل بحاجة إلى الترميم، إضافة إلى باقي التجهيزات الأساسية التي خرّبها القصف. التقى الحاج بجيرانه بعد غياب واطمأنّ إلى سلامتهم. جميعهم لا ينوون البقاء في الضاحية الآن، فمنهم من يعود إلى مدارس بيروت، فيما يتوجه الحاج عدنان إلى بشامون مجدداً.
للحاج يوسف قعفراني قصة مختلفة عن باقي «الزائرين الجدد» للضاحية؛ بقي عشرين يوماً في قرية عيناتا رغم استهداف القصف الإسرائيلي لبنت جبيل وجوارها. دفن والده في حديقة المنزل بعد أن توفيّ «بسبب القهر والحزن ضيق الحالة». تفقد الحاج يوسف بقايا منزله الذي هوى قرب المربّع الأمني. وجد جريدةً قديمةً، ضحك وأعطاها لزوجته قائلاً بلهجته الجنوبية «خُذي هيدي من عنّا». «ما فينا نبقى هون»، قرر الحاج العودة إلى عيناتا رغم جهله عن حالة منزله القروي؛ وفي حال سقوط أيضاً عندها «الله بيدبّر». سيضطر عندها إلى استئجار مسكن، ربما في الضاحية أيضاً. «هيدا خيار المقاومة وخلّي يسجله التاريخ»، يقول محمود شمس الدين بحسرة. يقف بالقرب من منزله في الطابق الثالث والذي سوّي بالأرض. محمود لا ينوي البقاء في منزل أخيه، ويرى في الاستئجار ضرورة. «كلّه عزّ وكرامة»، يقول وهو يتوجه لتفقد منزل أحد الأقارب.
قامت عائلات عديدة من الضاحية الجنوبية بفتح أبوابها لاستضافة جيرانهم أو أقارب لهم نُسفت منازلهم. يؤكد ذلك إصرار البعض على العودة إلى «منطقتهم» رغم كل ما حدث، وذلك تعبيراً عن «التمسك بالأرض والحقوق»، كما قالت زينب.
كثر هم النازحون الذين قرروا البقاء حالياً بعيداً عن الضاحية، سواء في المدارس أو عند الأقارب. والعديد منهم يرون في مشروع المجمّعات السكنية الذي طرحه البعض خلاصاً من التشرّد والتشتت في أماكن عدّة. لكن حتى حدوث ذلك، من سيؤمّن حاجات هذا الكم الهائل من المنكوبين؟