صيدا - خالد الغربيفي يوم العودة إلى الجنوب، بكّر النازحون في حزم حقائب التهجير، ولم يتأخّروا كثيراً عن الموعد. فالثامنة وخمس دقائق كانت بمثابة ساعة الصفر لانطلاق مواكب العائدين الذين آثر معظمهم (ما خلا البعض من نازحي المنطقة الحدودية) التوجّه مباشرة إلى قراهم. لم يشاؤوا إعطاء إسرائيل فرصة لاختبار مدى جديتها والتزامها بوقف العمليات العسكرية.
على أبواب المدارس في صيدا، كانت مئات العائلات النازحة قد انشغلت خلال الليل في توضيب أغراضها. وعند السابعة والنصف تماماً، كانت معظم السيارات المعبأة بالأمتعة والفرش جاهزة للانطلاق. ومع تجاوز الثامنة، بدأ الزحف... وإلى الجنوب دُرْ. زحف كان شبيهاً إلى حد بعيد بيوم تحرير الجنوب في أيّار عام 2000. وقالت الحاجة فاطمة زبيب من دير الزهراني أثناء خروجها من مدرسة الإصلاح في صيدا: «صبرنا ونلنا النصر الكبير. وكلمة مبروك التي لاكتها الألسن حلّت مكان «الحمد لله على السلامة». عانق حسن فارس صديقه وليد سرور قائلاً: «نحن أولاد عيتا الشعب... كلنا مقاومة، وسنقطع اليد التي ستمتد على سلاحها ورمزها».
على مثلّث الزهراني الذي يربط أقضية النبطية، بنت جبيل مرجعيون وصور بصيدا وبيروت، لا ترى إلّا طوابير السيارات بالآلاف. وبدت المنطقة التي تضم أكثر من جسر كأنها تعرّضت لزلزال حقيقي، بفعل أكثر من أربعين غارة ومئة صاروخ «بعضها لم ينفجر»، هشّمت المكان ودمّرته.
الجيش اللبناني استقدم جرّافات وآليات، وعمل عناصره على تأمين مسارب للسيارات وردم الحفر العميقة. أرتال السيارات العابرة رفع راكبوها صوراً للسيد حسن نصرالله ورايات حزب الله. وكيفما تجول وسط هذه الأرتال والحشود البشرية تسمع كلاماً واحداً يردّده من تسأله عن هذا اليوم: شارات نصر، دموع فرح، «عدنا بفضل المقاومة وصمودها». «ليس لأحد جميل علينا باستثناء سواعد المقاومة»، تقول فاطمة حرب من جبشيت، مضيفة: «لقد طأطأنا رأس إسرائيل ورفعنا رأس جميع اللبنانيين والعرب شامخاً»، بينما يقول زوجها علي: «لا تهمّنا بيوتنا التي دمّرت، ولن نبخل بالدماء والأرواح. المهمّ كرامتنا. وقد عدنا منتصرين على اليهود».
خديجة مهدي، من القصيبة، تقول: «الناس في حال فرح. اليوم يوم انتصارنا على الصهاينة، وغداً سيسقط أولمرت وجنرالاته، ونحن كلنا فدى السيد حسن نصر الله».
تطمئنّ مريم درويش (من صور) بأننا لا ننتمي إلى «إعلام مشبوه»، كما تقول، لتفرغ ما في جعبتها. تشير بإصبعها إلى طفلتها التي تعلّق في إحدى يديها «إبرة مصل»: «قسماً بهذه، سنلتهم بأسناننا المشكّكين بانتمائنا إلى الوطن». أنصار حزب الله قاموا برفع الرايات والاعلام في بلدة الغازية وفي الاماكن التي كانت عرضة للقصف الاسرائيلي وللمجازر. وكذلك كان الحزب حاضراً بقوة على الارض حيث حضر الى مثلث الزهراني أربعة من مهندسيه بدأوا بمسح الأضرار وتدوين الخسائر. وقال أحدهم: «سنعمل جاهدين لانجاز ما تهدّم بسرعة»