إبراهيم الأمين
لم يكن السيد حسن نصر الله مضطراً إلى شرح مفهومه للدولة القادرة والعادلة والمقتدرة التي يمكنها القيام مقام المقاومة في وجه العدوان أو التهديد القادم من إسرائيل. وإذا لم تكن كفاءة المقاومة كافية لشرح موجبات التغيير المطلوبة في نظرة الدولة الى الدور المفترض بالجيش اللبناني القيام به في مواجهة إسرائيل، فإن المبادرة التي أطلقها نصر الله تحت عنوان “حملة إزالة آثار العدوان” تعكس الوجه الآخر المتصل بالدور الرعائي الذي يتجاوز “الإغاثة الرسمية المتعثرة”، ليس بسبب نقص في الجهوزية البشرية بل في غياب هاجس الاستعداد لحالات كهذه رغم أن كل من في الدولة عاش تجربة الحرب والتهجير منذ عقود عدة.
وحملة حزب الله الإعمارية تعكس أيضاً الاستعداد العملاني لا توافر الأموال أو الناس فحسب. وثمة إشارات واضحة في هذا المجال، ولكن يبدو أن هناك من لديه القدرة على تفسير كل جهد وطني من هذا النوع في اتجاه اللغة الخشبية التي تحدث عنها نصر الله لدى فريق الأكثرية والتي تستمر في نغمة “بناء الدولة وبسط سلطتها على كامل الأراضي”. والتفسير الأخير لمقاومة حزب الله أو لحملته الإعمارية فيه من الخبث والشر ما يمزق النفوس الهادئة، إذ قال أحدهم: حسناً فليمسكوا هم بالدولة إذا كان الجيش عندهم والإعمار أيضاً؟
ومع ذلك فإن المقاربة الداخلية ستظل على انقساماتها. وسيجد أقطاب 14 آذار ولا سيما منهم سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع في كلام الرئيس السوري بشار الأسد مادة لجعل النقاش المباشر مع حزب الله يأخذ طابع النقاش بالواسطة مع سوريا وربما إيران، علماً بأن دلالات خجولة وردت الى مراجع رسمية كبيرة تقول إن في فريق الأكثرية من أدرك أن هناك حاجة إلى تأجيل النقاش الساخن الى مرحلة ما بعد الإعمار، وإن كانت الضغوط الأميركية والفرنسية لا تريد ذلك.
وبالعودة الى فكرة بسط سلطة الدولة، فإن التبسيط القائل بأن الجيش يقدر على كل شيء، وأن التشكيك بقدراته هو تشكيك في وطنيته، لا يعكس رغبة في الوصول الى شيء عملي. وتكفي الإشارة الى أن الإجراءات الأمنية التي لجأ إليها كل أقطاب الأكثرية الذين يخشون على أنفسهم من سوريا كما يقولون، لم تأخذ حتى اللحظة بما تراه الأجهزة الأمنية الرسمية مناسباً، بما في ذلك الأجهزة التي باتت تحت سيطرتهم المباشرة أو التي يُعمل على أن تكون كذلك. ولا يزال هؤلاء يتّكلون على القدرات الذاتية مادياً وبشرياً، والتبرير الوحيد هو اهتزاز الثقة بالمؤسسة الأمنية والعسكرية الرسمية، من دون أن يقول هذا الفريق إنه يشك في مواقف هذه المؤسسات.
في أي حال، فإن ما يتصل بدور الجيش، يتصل أولاً بالموقف من طبيعة المواجهة مع إسرائيل، وثمة سيل من الأسئلة التي لم يُجب عنها فريق الأكثرية حتى الآن، وهي الأسئلة نفسها الموجهة الى القوى الغربية الكبرى المتحمسة لإرسال جنودها الى جنوب لبنان، وهذه عيّنة منها:
1 ــ ماذا يعني عدم وجود سلاح غير سلاح الجيش في جنوب الليطاني: هل الحديث يدور عن مظاهر مسلحة أم عن نقاط عسكرية أم عن أسلحة خفيفة أو متوسطة أو ثقيلة؟ وكيف يتم أساساً التثبّت من وجود هذه الأسلحة وكمياتها ونوعيتها، بما في ذلك الترسانة الصاروخية للحزب، وهل إسرائيل التي لم تعثر عليها حتى تضربها يمكن أن يكون للآخرين دور في اكتشافها وتعطيلها؟
2 ــ ما طبيعة التسليح المسموح به للجيش اللبناني سواء في المناطق الحدودية الملاصقة لفلسطين المحتلة أو في العمق المتصل بنهر الليطاني. وهل في مقدوره نشر بطاريات صواريخ لردع إسرائيل أو الرد عليها إذا ارتكبت عدواناً، أم هل في مقدور الجيش شراء طائرات جديدة مروحية أو حربية واستخدامها في عمليات الاستطلاع على طول الحدود ومواجهة أي اختراق جوي إسرائيلي أو التثبت من عدم حصوله، وهل في مقدوره تشكيل وحدة بحرية مجهزة بقدرات عالية لمنع الاختراقات البحرية وحماية السفن التجارية والصيادين؟
3 ــ هل يحق للجيش الاستعانة بمن يرغب من القوات المسلحة العربية لزيادة الخبرات أو تعزيز العتاد أو التفاهم على معاهدة دفاع مشتركة لمواجهة أي احتمال، وهل يمكنه الاستعانة بالجيش السوري القريب من لبنان والقريب من مواقع الانتشار المفترض للجيش لهذه الغاية أو الحصول منه على دبابات متطورة تجعل إسرائيل تمتنع عن خروقات برية؟
4 ــ هل سيكون الجيش صاحب الإمرة الأولى والأخيرة في كل مناطق جنوب النهر أم هناك شريك له هو القوات الدولية بالصيغة التي تسعى فرنسا لتركيبها بالتعاون مع غيرها من الدول الغربية. وكيف يستطيع الجيش اللبناني التثبت من المعلومات الاستخبارية التي تقول فرنسا إن القوات الدولية “الجديدة” ستحتاج إليها لحماية مواقعها ولضمان الاستقرار وعدم حصول عمليات جديدة في المنطقة؟ وخصوصا أنه لا أحد يستطيع إقناع اللبنانيين بأن لدى المخابرات الفرنسية أو الإيطالية أو التركية أو الإسبانية أو حتى الأميركية معلومات أفضل من تلك الموجودة لدى إسرائيل حول واقع التسلح في الجنوب اللبناني، وتالياً هل يحق للجيش اللبناني أن يرفض طلب هذه القوات بدهم هذا المكان أو تفتيش آخر بحجة وجود سلاح أو مسلحين أم ستُعد خطوته هذه “تحدياً للمجتمع الدولي أيضاً؟
5 ــ هل يشرح القرار الدولي طبيعة التسلح المفترض أن يكون لدى القوة الدولية الجديدة، وبما أنها قوة لحفظ الاستقرار ولا تعمل تحت الفصل السابع فهل تحتاج الى حاملة طائرات في البحر والى قواعد عسكرية في الجنوب على شكل القواعد الأميركية في العراق؟ وهل يحق لهذه القوة أن تختار هي نقاط الانتشار بحسب التوزيع الطائفي والمذهبي للقرى الجنوبية؟
6 ــ هل يملك أحد إجابة بسيطة عن سؤال افتراضي مفاده: ما العمل لمواجهة احتمال قيام شابين فلسطينيين تملّكهما الغضب من جرائم إسرائيل بحق أهلهما في فلسطين، بأن يستعدا ولو بأسلحة فردية وبخطط بدائية للقيام بعمل ضد القوات الإسرائيلية قرب الحدود مع لبنان. هل يكون الأمر بقتلهما أم بعملية استباقية في المخيمات أم بمعاقبة المخيمات بعد حصول العملية؟ وكيف سيكون هناك نزع لسلاح حزب الله اللبناني وإبقاء على سلاح المخيمات؟ وهل لدى الدولة اللبنانية والقوات الدولية صيغة لنزع سلاح المخيمات الآن وتحت أي ذريعة ووفق أي برنامج عملي؟
ثمة أسئلة كثيرة لا يتوقع أن لدى أحد من “فرسان” الأكثرية جواباً عنها، والسبب هو أنهم لا يملكون فكرة عن المشروع برمته ولا عن آلية تحقيقه، وكل ما يعرفونه هو أمر واحد: يجب نزع سلاح المقاومة وهذا ما التزمنا به للمجتمع الدولي.