مبنى تلفزيون المنار

مهى زراقط

تتغير الشوارع في الضاحية الجنوبية بين ساعة وأخرى. عشرات المتطوّعين من الشباب يعملون على إزالة الركام وفتح الطرقات أمام المواطنين العائدين لتفقد بيوتهم. غير أنّ أحد الشبان وجد لنفسه مهمة أخرى، وهي رفع صورة الأمين العام لـ“حزب الله” السيد حسن نصر الله خلف كل شخص يرغب في التقاط صورة تذكارية له في المكان.
الصحافي الإيطالي الذي كان يرغب في التقاط صورة له قريباً من أنقاض “المنار” لا يمانع... بل يبادر إلى حمل صورة السيّد بنفسه ويبتسم لكاميرا هاتفه الجوال، لكنه يرتكب الخطأ الكبير بعدم رفع الصورة إلى مستوى رأسه،

والاكتفاء بجعلها بموازاته. يصرخ الشاب محتجاً، ويركض ليتولى بنفسه رفعها إلى ما فوق رأس الصحافي. “هكذا يجب أن تكون”، يقول بحزم، مشترطاً الموافقة على ما يقوله قبل إعطائه الصورة مجدداً.
الإيطالي لا يعارض. هو يتفهّم ردود أفعال هؤلاء المنتصرين على الحرب الإسرائيلية. منتصرون من “الشيعة” قابل كثيرين منهم “في إيران وفي العراق، ومرّتين في لبنان”، يقول باسماً، وهو يسجّل على دفتره اسم شارع السيد عباس الموسوي، لافتاً إلى أنّه اسم أحد شوارع طهران الجميلة جداً.
لا يفوته أن يضيف إن هذا الانتصار لـ“حزب الله” هو الأهم، لأنّه كان مفاجئاً. يقول ذلك قبل أن يجعله الدمار اللاحق بالضاحية يستعيد كل قصص الحرب التي يعرفها... بدءاً من الحرب العالمية الأولى التي سمع قصتها من جدّه آلاف المرات بطرق مختلفة، وصولاً إلى الحرب العالمية الثانية التي لم يحكِ له والده، الذي عاد مع ألف مقاتل إيطالي من أصل مئة ألف، شيئاً عنها... دمار الضاحية يذكّره أيضاً بتدمير ميلانو “التي بقيت تتعرض للقصف شهرين كاملين”. يقول ذلك عندما يلمح التأثر على وجه امرأة كانت تحاول سحب سجّادة من تحت ركام منزلها... تذكّره بوالدته التي قد تكون بدورها عاشت لحظات مماثلة.
يسرد كل ذلك في محاولة للتماهي مع أبناء الضاحية. يحاول أن يسقط عليهم طابع المأساة، لكنّهم لا يكفّون عن مفاجأته... تخرج تظاهرة لأطفال فلسطينيين من مخيم برج البراجنة يهتفون فيها: “يا نصر الله لا تعبس، بدك فدائي منلبس”... يبتسم ويسجّل هتافهم، ويصبح همّه أن يعرف تاريخ الضاحية كله في ساعة واحدة، وأن يكتشف أيضاً سرّ “حزب الله”، أو على الأقلّ سرّ كيفية استمرار “قناة المنار” في البث. لا ترضيه المقابلة مع مسؤول القناة الإعلامي، ولا مع مراسليها أو حتّى المصوّرين. يبحث عن التقنيّين، يطرح الكثير من الأسئلة التي تأتي الإجابات عنها ابتسامات عريضة وعبارة واحدة: “لا يهم من أين كنا نــبـــث ولا كــــيف... المـــهم أننا كنا نبث”...
لا ترضيه الإجابة. يصر على محادثة عدد أكبر من العاملين في المحطة من دون جدوى. لا يقتنع بمغادرة المكان إلا بعد إفشاء “سر” له: “المقاومون على الجبهة صوّروا أفلاماً للمواجهات بينهم وبين الإسرائيليين عند الحدود، وستبثّها المنار لاحقاً”. يعود إلى الفندق ليكتب قصته، في وقت كانت فيه “المنار” تبث الصور الأولى عن تدمير دبابات العدو في قرى أمامية.