نادر فوز
عاد «أحلى عالم Café»، الواقع عند جادة هادي نصر الله، إلى استقبال زبائنه المعتادين. فحضنت الطاولات لاعبي «الورق» وافترشت «الأراكيل» أرض المقهى. المحل لم يقفل أبوابه طيلة الشهر الفائت إذ استمر بتقديم الأكل والمشروبات الساخنة رغم القصف الذي طاول المنطقة بأكملها. أبو هيثم، صاحب المقهى، يعتزّ بأنه لم يقفل محله إلا ثلاث ساعات فقط منذ سبع سنوات: «يوم 8 آذار تما يضلّ حدا من الشباب هون».
احتضن المقهى كل الشبان الذين رفضوا مغادرة الضاحية الجنوبية وحرصوا على أمنها، لكنّهم تحوّلوا من زبائن إلى ضيوف. «كل الشباب قعدوا هون وصرنا أكثر من رفقة»، يقول أبو هيثم الذي سعى خلال تلك المدة إلى تأمين كل مستلزمات الحياة الأساسية. «ما فيّي عيش برّات الضاحية»، كان ردّ أبو هيثم لدى سؤاله عن سبب بقائه.
وغابت في تلك الظروف مشاهد لعب الورق وغيرها من ألعاب التسلية، حيث اكتفى الجميع بمشاهدة الأخبار أو تدخين «الأراكيل». «كنّا نطبخ وناكل»، يقول أبو هيثم، وكنّا نحضر الخضار ولوازم الطهو من «الغربية» أو من المناطق المجاورة.
مع سقوط كل صاروخ، كان الشعور باقتراب الشهادة ينتاب الجميع. لكنّ هذا الأمر لم يمنعهم من تفقّد الأمكنة المستهدفة مباشرةً بعد انتهاء غارة ما. وفي ظل استمرار طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بعملها «كنا حاسّين انو رح يضربونا»، يقرّ صاحب المقهى. ورغم ذلك، «أشعلوا الأراكيل» ودخّنوها على رصيف المقهى، على مرأى الإسرائيليين. ذلك الأمر أشعرهم باطمئنان أكثر، كما قال أحد الموجودين، «إذا استهدفونا بتضلّ جثثنا مبيّنة». الخطر الأكبر كان نتيجة حضور الشباب على دراجات نارية، وهذا ما يلفت كثيراً «أم كامل».
لم ينقطع «أحلى عالم» من البضائع، فأبو هيثم اشتراها من أصحاب المحال المجاورة التي أقفلت، «أحسن ما ينتزعوا عندهم، حرام». يعتزّ أبو هيثم بأنّ بقاءه في الضاحية كلّفه حوالى ألفين وخمسمئة دولار خلال 32 يوماً، «هيدا عدا خسائر المحل»، لكنّه لا يطلب أي تعويض، ولا يريد أن يظهر الأمر كـ«دعاية». كل هذا دعماً للصمود وفداءً للمقاومة. اليوم يشعر الجميع بالانتصار، يقول أبو هيثم، وهو يبتسم.