إبراهيم الأمين
قرار مجلس الوزراء نشر الجيش اللبناني في كل مناطق جنوبي نهر الليطاني، لم يكن امراً جديداً على من تابع تفاصيل المحادثات التي كانت جارية في الأيام العشرة الأخيرة قبل توقف اطلاق النار.
حزب الله ابلغ موافقة مبكرة على هذه الخطوة. كانت الخطوة على صلة برغبة قوية بوقف اطلاق النار. لم تكن تعبيراً عن ضعف أو عن خشية من عدم القدرة على الاستمرار في المواجهة. لكنها عكست ايضاً ادراك الحزب لكون هذه الخطوة لا يمكن ان تكون في خدمة المشروع الأميركي ــ الإسرائيلي.
عندما اقتربت الأمور من لحظة القرار الدولي، ارتفع مستوى الحذر في التعامل مع هذه الخطوة، نظراً لأن الآخرين من القوى المحلية والدولية باتوا ينظرون الى موافقة الحزب على غير ما هي عليه. وربما كانت الاشارة المقلقة الاولى قد جاءت من جانب وزير الدفاع الياس المر الذي تولى التمهيد السياسي في مجلس الوزراء لقرار نشر الجيش مستخدماً اسلوب الاستفهام الذي اثار بدوره استفهامات عن مقاصده، وخصوصاً ان الاتصالات السياسية الجانبية والتواصل بين الفريق المعني وقيادة الجيش لم يكن يشير الى أي مسعى لوضع الجيش في مواجهة أي فريق في لبنان.
بعدها تجمدت الأمور لبعض الوقت. وظهر واضحاً ان قرار مجلس الأمن يتحدث بلغة غامضة عن مصير المقاومة. وحتى الدعوات الى حصر السلاح جنوبي النهر بالسلطة اللبنانية وحدها، لم يكن يفتح الباب امام مهمة نزع السلاح. وهو امر يعرفه كل من شارك في المفاوضات الديبلوماسية. حتى إن دولاً مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا وتركيا ابلغت المهتمين في تل ابيب وواشنطن أنه لا يجدر ابداً توقع إرسال جنود في مهمة نزع سلاح المقاومة. لكن المفاجأة جاءت هذه المرة ايضاً من جانب شخصيات لبنانية قالت ان هناك وسائل وطرقاً للوصول الى الهدف نفسه.
وفي لحظة توتر ابلغ حزب الله الجميع، وهذه المرة من دون استثناء ومن دون الديبلوماسية التي كانت مسيطرة خلال فترة الحرب، أن رمي السلاح ممنوع، وأن نزعه أمر مستحيل، إلا اذا كان من يرغب بهذا الأمر لم يقرأ جيداً نتيجة المواجهة التي جرت بين المقاومة والجيش الإسرائيلي. ومع أن بعضهم فهم الأمر بشكل تهديد او تلميح باللجوء الى السلبية لتعطيل قرار ارسال الجيش، تسارعت الاتصالات. وهذه المرة جاء الترياق من الخارج، حيث بادرت عواصم معنية الى حض الفريق المطالب بنزع سلاح المقاومة والمستعجل لتنفيذ الأمر على عدم المبالغة وقيادة الأمور الى مواجهة ليست في مصلحتهم الآن، وهو ما افضى الى تسوية رضائية كما سماها المتحفظون على القرار. وهي تسوية بسيطة ومؤداها:
1 ــ ليس في مقدور المقاومة حزباً وجمهوراً ومقاتلين منع الجيش من الانتشار على اي بقعة لبنانية، وإن أي محاولة لقول العكس تجعل المقاومة فريقاً منبوذاً لدى الجميع.
2 ــ ليس في مقدور الجيش فرض أمر واقع عسكري أو أمني على أي منطقة من دون رضى أهلها، وخصوصاً إذا كانت للأمر أسبابه السياسية. وأي محاولة للقيام بالعكس ستؤدي إلى فرط الجيش وتفككه في ساعات قليلة.
3 ــ ليس هناك اصلاً أي نوع من ازمة الثقة بين الجيش والمقاومة حتى لا يكون هناك تفاهم فعلي، وليس شكلياً على كثير من الامور. وان قيادة المقاومة وجمهورها يشعرون اكثر من اي وقت بأن هذه المؤسسة قريبة من هواجسهم المتصلة بالوضع في الجنوب، وهو ما يعني ان هناك احتمالاً كبيراً لوضع تفاهمات تلبي حاجات الطرفين من دون التأثير في موقع الجيش ودوره اساساً.
4 ــ ان قيادة الجيش التي تملك خبرة واسعة في امور المقاومة تعرف ان لديها من القدرة العملياتية ما يجعلها غير ظاهرة للعيان ابداً، وأن في مقدورها مواصلة الاهتمام ببناها وجهوزيتها من دون أن يؤثر ذلك في حياة الناس أو في مؤسسات الدولة.
5 ــ إن الواقع الأمني والعسكري في الجنوب بعد هذا العدوان يفرض حذراً لا سابق له ازاء قرار، لا رغبة، لدى اسرائيل بتوجيه ضربات انتقامية ضد قيادات وشخصيات بالمئات من قياديي المقاومة وكوادرها. وانه ليس في مقدور الدولة، مهما ادعى بعضهم توفير الحماية لهم.
6 ــ ان الجيش يعرف تمام المعرفة ان المقاومة ستستمر في ملاحقة جنود الاحتلال في اي ارض لبنانية، وهو ما يعني ان المقاومة ستستمر في مزارع شبعا المحتلة. وان العمل هناك له شروطه الميدانية والعسكرية التي جعلت ابناء بقية مناطق الجنوب يعيشون نحو ست سنوات من الهدوء. وان العمل العسكري الذي حصل بعض المرات في القطاعات الغربية من الجبهة او على امتداد الخط الازرق كان عملاً موضعياً يتصل بقضية واحدة اسمها “ تبادل الاسرى”. وان كل النشاطات الأخرى عند هذه الحدود لها طابع المتابعة المراقبة وليس اكثر من ذلك. وان نقاط الانتشار التي كانت للمقاومة على طول الحدود لم تتجاوز نقاط المراقبة العسكرية التي لا توازي اي قوة قتالية عالية لدى المقاومة ولا اي قدرات عسكرية خاصة.
ويبدو ان الامر فاجأ الفريق الذي رفض التسوية لناحية انهم يريدون منح الجيش صلاحيات مطلقة من النوع الذي يتيح لسلطة الاكثرية، ومتى ارادت، القيام بخطوات تراها ضرورية لضمان عدم وجود اي سلاح هناك، وهو الامر الذي جعل الوزراء مروان حمادة وميشال فرعون ونايلة معوض وجو سركيس يركزون على طلب اعلان جنوبي نهر الليطاني منطقة عسكرية، حيث لا حاجة الى آليات قضائية، وحيث يكون في مقدور الجيش القيام بكل ما يراه مناسباً لضمان عدم وجود اي نوع من السلاح او المسلحين. علماً ان المفاوضات التي قامت واستمرت بين الجيش والقوة الدولية ركزت على هذا الأمر من زاويتين:
الاولى تخص الإمرة التي ستكون لكل القوات العسكرية جنوبي نهر الليطاني، حيث تصر قيادة القوة الدولية على ان تكون ثمة قيادة مشتركة لإدارة الانتشار والعمليات، في مقابل تأكيد الجيش أن الإمرة تكون له وحده ويكون دور القوة الدولية، دعم الجيش ومساعدته بحسب ما ينص القرار 1701.
والثانية تخص طريقة التعامل مع اكتشاف القوة الدولية في منطقة عملياتها مخابئ اسلحة عائدة الى «حزب الله» لم يخرجها من المنطقة المنزوعة السلاح، حيث يفترض ان الامر لا يكون على شكل قرارات تستند الى معطيات استخباراتية، علماً ان هناك مناطق لن يكون للقوات الدولية اي انتشار فيها.
اضافة الى ذلك ثمة اسئلة حول حقيقة قدرة القوة الدولية على تنفيذ ما ترغب به اسرائيل في تلك المنطقة، وسط اسئلة حملها مسؤول رفيع في دولة اوروبية أخيراً الى بيروت وابرزها: هل هناك احتمال ان تتعرض قواتنا لخطر المهاجمة من أحد أو أن تواجه ما يواجه القوات المتعددة الجنسية في العراق وأفغانستان؟