غسان سعودزادت عزلة البلدات العكارية بعدما أصاب القضاء ما يقارب سبعاً وعشرين غارة تركّزت بمعظمها على جسور تربط مناطق تتسم بجغرافيتها الجبلية. وتراوحت الطرقات البديلة التي أبدعالعكاريون في اعتمادها للتنقل، بين أزقّة ضيقة محفّرة وطرقات رملية، يصعب على الجرّارات الزراعية والجرافات أن تمرَ بها. ويقول أبناء عكار إن الطرق التي يسلكونها بسياراتهم لا تصلح حتّى لمرور “الدّابة”. وكان الإسرائيليون قد قطعوا شبكة المواصلات الداخلية،وعزلوا عكار عن المناطق اللبنانية والسورية، عبر قطع سلسلة الطرق التي تربط عكار بمحافظة البقاع وقضاء الضنية والدولة السورية. فأضيفت إلى فقر العكاريين وبؤس أوضاعهم الاقتصادية والغياب شبه الكامل لحقوق المواطنين، معاناة جديدة يرزح تحتها أكثر من 300 ألف نسمة يتوزعون على 216 قرية وبلدة في مساحة تزيد على 776 كيلومتراً مربعاً.
الأزمة الأكبر بالنسبة لأهل عكار نتجت من الاستهداف المنظّم لشبكة الطرقات الداخلية. فتدمير جسر عرقة مثلاً، أعاد رسم خريطة المواصلات البرية في عكار، إذ بدا أن حدوداً لبنانية جديدة ارتسمت لفصل منطقتي الجومة والدريب الأوسط عن سائر المناطق العكارية واللبنانية. كما قسمت منطقة الشفت، وبات التنقل فيها يحتاج أيضاً إلى مغامرة. واكتشف العكاريون بلدة جديدة لم يألفوا المرور بها من قبل هي “عرقة”، الواقعة بين الجسر الفرنسي الأثري الذي دُمّر وقلعة عرقة التي ينقّب الفرنسيون فيها عن الآثار منذ عام 1994. ويتوزع أهل عرقة في بيوت قديمة حول طريق صخرية لم تختبر حرارة الزفت يوماً، ولم تعتد مرور السيارات إلا في ما ندر. كما استُهدِفت الهضبات في منطقة القيطع، ويكاد ينقطع الاتصال بين أهالي البلدات الجبلية ومنها فنيدق ومشمش وسائر المناطق اللبنانية.
وزادت صعوبة التنقل في منطقة الدريب الأعلى بين بلدات وادي خالد وشدرا وعندقت من جهة، والقبيّات وسائر المناطق اللبنانية من جهة أخرى، إضافة إلى تدمير جسر الحيصة حيث وقعت مجزرة فوق مجرى نهر الاسطوان على الطريق باتجاه بلدة العبودية الحدودية.
ويوضح النائب مصطفى هاشم، رئيس كتلة المستقبل النيابية في عكار، أن النائب سعد الحريري تعهد تقديم الأموال اللازمة للهيئات المعنية من أجل ترميم جميع الجسور التي استهدفت في عكار وإعادة بنائها. والأهم بينها، بحسب الهاشم، هو جسر عرقة الأشبه بشريان تواصل بين المناطق اللبنانية.
من جهته، قال النائب السابق وجيه البعريني في اتصال مع “الأخبار”، إنه سعى بداية إلى ترميم جسر عرقة، لكن تكرار استهدافه أربع مرات من الإسرائيليين، جعل الأضرار فادحة وكبيرة، مما دفعه إلى الاكتفاء بدعوة وزارة الأشغال إلى القيام بواجبها.
أما إبراهيم الضهر، رئيس تجمع رؤساء الهيئات الاقتصادية والنقابات الزراعية والفلاحية والجمعيات في عكار، فشكر سوريا التي لو لم تفتح للبنانيين أبوابها، لاختنق المواطنون. وأمل أن تُعالج الأضرار سريعاً للتمكن من تصريف موسم الزيتون بعدما تعرّض موسم العنب لنكسة.
فالموسم الزراعي في عكار يعاني نقصاً كبيراً في ورش القطاف، بعد مغادرة غالبية العائلات السورية التي كانت شبه متخصصة في هذه الأعمال الموسمية. وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في عكار قرابة 80 ألف هكتار، تمثّل المساحة المزروعة منها ثلث المساحة الإجمالية للقضاء. ويعمل 40% من أهالي عكار في الزراعة. وأُجبرت السلطة اللبنانية بفعل الحصار الإسرائيلي، على تعديل خطة “الخنق الحدودي”، كما وصفها أحد المواطنين. فانتعشت بلدات حدودية سبق أن تصحرت منذ تأليف الحكومة الحالية. إذ عاد بعض الأهالي إلى العمل في التهريب أو “نقل البضائع”، بحسب المفردات العكارية، من سوريا إلى لبنان بواسطة الماشية أو عبر الانتقال من طرف البلدة الواقع في لبنان إلى الطرف الثاني الواقع في سوريا.
يسأل العــــكاريون أنفســـــهم إذا كان ينقصــــــهم الاستهداف الإسرائيلي بهدف عزلهم عن وطن يشعر عدد كبير منهم بالعزلة عنه أصلاً. ويؤكّد بعضهم أن الحال في عكار قبل العدوان وبعده توجــــــــــب إعــــــــــلان القـضاء منطقة منكوبة.