جورج شاهين
يعتقد مرجع حزبي بارز بأن الوضع في جنوب لبنان يتجه بسرعة الى استعادة نوع من الهدوء افتقده منذ أكثر من ثلاثين عاماً، لا بل ربما لم يشهد مثله منذ قيام دولة إسرائيل. ومرد هذه القراءة الإيجابية معطيات سياسية وأمنية لها مقوماتها على أكثر من مستوى، وأبرزها:
ــ استعجال إسرائيل سحب قواتها من«الوحول» اللبنانية التي لم تأت لها إلا بالأزمات الداخلية، منذ قررت الانسحاب الأحادي الجانب في 25 أيار 2000، وقد أبلغ وفدها الى مفاوضات الناقورة في جلستها الأولى مع الجانب اللبناني بعد ساعات على وقف العمليات العسكرية صباح الاثنين الماضي، بأن قوات بلاده تبلغت أوامر باستعجال الانسحاب الى الخط الأزرق قبل نهاية الأسبوع.
ــ الانتشار «السهل» لقوات الجيش اللبناني في المنطقة الأمنية في ظروف مثالية لم يكن يتوقعها أحد، قياساً على حجم التهديدات الإسرائيلية التي واكبت المفاوضات ورافقت صدورالقرار الدولي فجر السبت الماضي، وسرعة تحرك مفارز صغيرة من القوات الدولية التي سلّمت مواقع الإسرائيليين فور إخلائها الى الجيش بعيداً من الإجراءات الروتينية.
ــ التجاوب الفوري الذي عبّرت عنه قيادة «حزب الله» والترحيب بخطة الانتشار لقطع الطريق باكرا على مشاريع استقدام وحدات «الناتو» أو أي قوات أخرى خلافا لهوية قوات اليونيفيل الحالية في الجنوب.
يضيف المرجع الحزبي في قراءته للوضع الجنوبي: “لا تقف المعطيات عند هذه المظاهر السطحية المقروءة لدى الجميع، بل لا بد من الوقوف عند بعض الحيثيات التي تضمنها القرار 1701، وخصوصاً تلك المتصلة بمضمون الفقرة التمهيدية الخامسة التي أشارت الى الترحيب بالنقاط السبع بما فيها طلب فك الحصار وفتح المطارات والمرافىء بالسرعة القصوى، إضافة الى ما تضمنته الفقرة التنفيذية السادسة والتي قدمت هذا الأمر على ما عداها من الإجراءات الأخرى”.
ولا يتجاهل المرجع الحزبي لفت النظر الى ما فرضته العودة الفورية للمواطنين الجنوبيين الى قراهم قبل أن يخليها الجيش الإسرائيلي، «والفضل» يعود هنا الى النداء العاجل الذي أطلقه الرئيس نبيه بري بعيد صدور القرار الدولي، ففرضت الخطوة نفسها على قوات الاحتلال وإجراءاتها الميدانية الفورية.
ولا يرى المرجع أي انعكاسات سلبية لموجة التصريحات على المحور اللبناني ــ السوري والإيراني على خلفية «الادعاء بالانتصارات»، ذلك أن لها أبعادا محلية لن تخرج عن مدى العلاقات السيئة على جانب من خط بيروت ــ دمشق وطهران، ولا تتصل بمعطيات يمكن أن تنعكس سلباً على الإجراءات الجنوبية واستعادة الهدوء في المنطقة.
وعلى مستوى التحضيرات لتأليف القوة الدولية التي ستنتشر جنوباً «والمفاجآت» الفرنسية إزاء تقليص حجم مشاركتها، رأى المرجع أن القرار الفرنسي “ليس مفاجئاً”، كما الخلافة الإيطالية لقيادة القوة، وهو كان منتظراً منذ الكلام الذي نقل عن رئيس الجمهورية الذي اتهم الفرنسيين بـ“عدم الحياد” في الملفات الداخلية اللبنانية، ولأسباب أخرى تتصل بالسقف العالي لـ«الضمانات الفرنسية» التي لا يمكن الحصول عليها بعد التسوية التي تمت بين الرئيسين نبيه بري وفؤاد السنيورة والتي ترجمت بقرار مجلس الوزراء عشية انتشار الجيش جنوبا، الأمر الذي أقلق باريس وهو «قلق مشروع الى حد بعيد».
ويتوقع المرجع على خلفية الرؤية الإيجابية للوضع الجنوبي، حوارا في الكواليس بين أكثر من طرف لتجاوز الكثير من المخاوف الداخلية، عبر أكثر من وسيط، بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي تلبية لدعوة وليد جنبلاط الأخيرة الى “صلح رجال»، كما يترقب تجديدا للحوار بين النائب سعد الحريري والسيد حسن نصر الله “في أقرب فرصة ممكنة تسمح للسيد بالتجوّل».