أكد نائب الأمين العام لـ“حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أن “الحزب لم يخرج عن سقف اتفاق الطائف”. وأكد في حديث الى “الأخبار” أن “ما من قوة دولية يمكنها أن تدخل الى لبنان من دون موافقته على مهماتها ولا يمكن اختراع مهمات جديدة لها على الأراضي اللبنانية وإلا تصبح قوات معادية وهذا ما لا تريده أي دولة”. وهنا نصّ الحوار: ¶ بعد انتصاركم على اسرائيل، من أنتم اليوم؟
ـــــ نحن اليوم كما في الأمس. بعد الانتصار الكبير للمقاومة والشعب اللبناني، نحن في الخندق نفسه الذي كنّا فيه سابقاً، ويستطيع الجميع التعامل معنا كما كان يتعامل في الأمس، مع فارق واحد هو أن الخطر الحقيقي سببه اسرائيل، وعلينا ألا ننام مطمئنين ما دامت اسرائيل موجودة.

¶ أليس هذا تواضعاً بعد كل هذه المتغيرات السياسية؟
ـــــ نفهم التواضع قوةً لأنه لا يلغي الحقائق الميدانية الواضحة أمام الناس، وهي أن انتصاراً تاريخياً حصل. منذ اليوم الأول للحرب لم نرد العدوان، وأصر الاسرائيلي والأميركي على عدوانهما. فكنّا حاضرين لأن نبقى في الميدان. ووعدنا بالنصر، وقد أكرمنا الله تعالى بهذا النصر بفضل جهاد المقاومين ودماء الشهداء وصبر هذا الشعب والتفافه حول المقاومة. نحن لم نعزل أنفسنا عن المتغيرات السياسية لأننا في صلبها ونساهم في صنعها ونقول رأينا فيها ولا يحصل شيء من دون موافقتنا بدليل أن القرار الدولي (1701) أُدخلت عليه تعديلات كثيرة بناءً على صمود المقاومين في الميدان. لم تُؤخذ كل ملاحظاتنا في الاعتبار، لكن القرار كان أسوأ بكثير في صيغته الأولى لو لم نتابع الأمر، ولو أن المقاومة لم تكن حاضرة في الميدان.

¶ هناك رهان أميركي على تطبيق القرار 1701 في شكل يحدّ فيه من حركة المقاومة؟
ــــ القرار الدولي 1701 يتضمّن نقطتين: الأولى نوافق عليها وتطالب بوقف العدوان، فانتشار قوات اليونيفيل مع الجيش اللبناني، ثم وقف كامل لإطلاق النار. أما الشق المرتبط بصياغة واقع لبنان مستقبلاً، سواء في كيفية تصرّف الدولة مع حزب الله أو طبيعة انتشار الجيش وخصوصية المقاومة أو المهمات الأخرى التي ذُكرت في ملاحق هذا القرار. فهذا شأن سيادي مرتبط بالداخل اللبناني. نحن ندعو الى متابعة الأمور من خلال الحكومة واتفاق الأطراف السياسية المعنية. لا علاقة لواشنطن بذلك، ولا يمكنها فرض شروطها، هي تتحدث عن أمانيها ورغباتها وتمارس ضغوطاً على بعض الأطراف من أجل الوصول الى ما تريد. لكننا لن ندع الخطط الأميركية تأخذ مجالها. فليتكلموا بأمنياتهم والعبرة في ما يطبق على الأرض.

¶ هناك من اعتبر أن في القرار 1701 إشارة ضمنية الى الفصل السابع؟
ــــــ “حزب الله” والحكومة رفضا أن يكون القرار تحت الفصل السابع وهذا ما تحقق. لا توجد قوة دولية يمكنها أن تدخل الى لبنان إذا لم يوافق على مهماتها، ولا يمكنها اختراع مهمات جديدة لها وهي على الأراضي اللبنانية، إلا تصبح قوات معادية وتدخل في أزمة مع الدولة اللبنانية والمقاومة، وهذا ما لا تريده أي دولة.

¶ أين أصبح مشروع الشرق الأوسط الجديد بعد النتائج التي انتهى إليها العدوان؟
ــ الشرق الأوسط الجديد الذي تريده أميركا هو شرق أوسط ضعيف ومفكّك تسهل عليها إدارته ويكون تابعاً لها. الهزيمة الاسرائيلية ــ الأميركية النكراء في لبنان ظهرت في الخطاب الأخير لجورج بوش، ما يعني أننا أمام خيبة أمل أميركية من شرق أوسطهم. ولم يكن في حساباتهم أن تصبح المقاومة نموذجاً يدغدغ مشاعر العرب والمسلمين وتبثّ روحاً جديدة كنّا في حاجة إليها، وستعمّق الهوة مع أميركا ومخططاتها.

¶ ربط بعضهم العدوان الأخير بالملف النووي الإيراني؟
ـــــ لا نعيش عقدة الاتهام لأن الذين يطلقونها يتجنّون علينا وباتوا مكشوفين أمام الناس. لو بادر الحزب بهذه المعركة الكبيرة لأمكن الحديث عن أهدافه من الحرب، لكن اسرائيل وبرعاية أميركية شنّت هذا العدوان الواسع الذي تجاوز مسألة الأسيرين، وإنما من ضمن مخطط مدروس هدفه تفكيك الحزب وإضعاف لبنان، وربما يحملون في طيّات تفكيرهم إضعاف أحد الحلفاء الأساسيين لإيران وسوريا. أميركا واسرائيل هما اللتان تفكران أنهما بضرب الحزب ستحققان أهدافاً مختلفة بعضها لبناني وبعضها الآخر إقليمي ودولي. انتصار الحزب يعني أن ينتصر لبنان وتربح سوريا وإيران والعرب والمسلمون. والحزب سيوظف انتصاره لمصلحة الوحدة الوطنية وقيام الدولة القوية التي تستطيع أن تقف في وجه اسرائيل. الأعداء ومن معهم هُزموا جميعاً، والمقاومون ومن يؤيدهم انتصروا جميعاًهل حققت المعركة أهدافاً بعيدة المدى من الناحيتين العسكرية والشعبية؟
ـــــــ على رغم أهمية التحرير عام 2000، إلا أنه كان يأخذ طابع القتال التدريجي الذي يواجه مجموعات اسرائيلية تتعب مع الزمن لتغادر خوفاً من استمرار ضربات المقاومة. أما هذا الانتصار، فهو أول مواجهة مباشرة مع العدو الاسرائيلي استطاعت فيها مجموعة شبابية مقاومة أن تمنع العدو من إنجاز أدنى أهدافه وهي منع إطلاق الصواريخ من القرى الأمامية. ما بثّه هذا الانتصار من تعبئة ورسم لصورة جديدة في كيفية المواجهة سيترك بصماته وآثاره على كل الواقع العربي، وستتحول المقاومة الى مدرسة في مقاومة الاحتلالات المختلفة.

¶ أوجدت الحرب حالةً مضادةً تماماً لمناخات الفتنة التي كان يعمل على تعميمها في العراق وصولاً الى لبنان، فأي دور للحزب في هذا المجال؟
ــ الحزب حريص على وأد الفتنة السنية ــ الشيعية. مرحلة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كانت صعبة جداً، ودخلت أطراف داخلية وخارجية على خط إثارة الفتنة لأن من مصلحتها حصول ذلك. لكن ينبغي تذكّر أن المقاومة في لبنان ولدت من رحم الطائفة السنية التي كانت أول من احتضن الفلسطينيين. ولا يستطيع العقل أن يتقبّل سنّياً لا يقبل بالمقاومة لأن السنّة عروبيون ومقاومون.

¶ ما تعليقكم على وصف الرئيس جورج بوش لحزب الله بـ“الإرهابي” وعلى صمت بعض الأطراف اللبنانية على ذلك؟
ــ بوش مجرم دولي يريد تخريب لبنان والمنطقة، وهو السبب الأول للعدوان وفي الخندق المعادي، وعلى شركائنا في الوطن أن يقرروا إن كانوا يريدون السير في الركب الأميركي أو في ركب الاستقلال اللبناني.

¶ يتهمكم بعضهم بمحاولة الانقلاب على اتفاق الطائف ومنهم النائب وليد جنبلاط؟
ــ نحن جزء لا يتجزأ من تركيبة الدولة الراهنة القائمة على القوانين والدستور ولولا التزامنا اتفاق الطائف لما كنا جزءاً من الحكومة والمجلس النيابي. الطائف هو ميثاق ودستور علينا جميعاً أن نكون تحت سقفه. لم نخرج عن سقف الدستور، بل رأينا محاولات تحايل على الدستور للتخلّص من رئيس الجمهورية.

¶ هل ستعملون على إسقاط الحكومة بالتنسيق مع العماد ميشال عون؟
ــ الأنسب هو قيام حكومة وحدة وطنية تستطيع تحمّل هذا العبء الكبير الذي أضيف الى الأعباء اللبنانية. لكن ليس في نيّتنا على الأقل في هذه المرحلة الانتقالية أن نعمل لإسقاط الحكومة. نحن نشجع تأليف حكومة وحدة وطنية وندعو الى استيعاب الجميع في إطار الدولة التي ستكون ضعيفة من دون ذلكهل ستفتحون ملف المحاسبة مع أطراف ربما تعتقدون بأنها غطّت بطريقة ما العدوان؟
هناك رغبات عند بعضهم في عدم رؤية الحزب قوياً أمام اسرائيل، وهي لا تعجبنا لكنها غير قادرة على تغيير المعادلة. نترك هؤلاء لآمالهم وآلامهم بعد الانتصار. لا نؤمن بفائدة المواجهة في هذه المرحلة بل نعتبر أننا إذا قمنا بها نكون قد اخترنا التوقيت الخاطئ وضيّعنا الانتصار ومفاعيله على تركيبة الدولة.

¶ هناك أطراف سياسية لبنانية لم تتأثر حتى الآن بكل ما جرى وما زالت على طروحاتها السياسية، كيف تقرأون هذه الطروحات اليوم؟
ــــــ هذا يذكّرنا بالتحنيط حيث تبقى الأشكال وتذهب الأرواح. إذا كان بعض هؤلاء يرغبون في بقاء أشكالهم وذهاب أرواحهم أي أن لا يكون في أدائهم حيوية أو استقطاب سياسي، فإنما هم يصرخون وحدهم، ولا داعي لأن ننصرف الى مثل هذه المواجهة العقيمة. بعضهم يريد استدراجنا ليكون له مقام من خلال ردّنا لأنه يكبر بردّنا وليس بكلامه. نحن نعوّل على الآثار العملية وليس على الكلام النظري الذي لا يغيّر شيئاً.

¶ هل هناك أي محاولات لإعادة العلاقات بينكم وبين النائب جنبلاط؟
ـــــ ليست هناك مساع لإعادة العلاقة الى سابق عهدها. كل في موقعه ومحوره ورؤيته السياسية، والمرحلة الراهنة لا تحمل جديداً يستدعي تغييراً في الموازين أو العلاقات.

¶ بعضهم راهن على أن ما حدث سيترك بصماته على تفاهم الحزب مع العماد عون، أين هي هذه العلاقة اليوم؟
ــ العلاقة مع العماد ميشال عون متينة وأرسخ مما يتصور كثيرون، لأن التفاهم بيننا لم يكن اتفاقاً عاطفياً بل خطوات سياسية حقيقية بين طرفين لبنانيين يمثّلان على المستوى الشعبي شرائح واسعة، وهناك تصميم من القيادتين على التزام مضمون هذا الاتفاق. ولا يصح القول في كل محطة إن هذا التفاهم تعرّض لخطر لأنه رسم خطوات استراتيجية ولم يتحدث عن حالة مفصلية بل عن صيغة مستقبلية، والتشويه الذي حاول بعضهم القيام به تجاه العماد عون أثناء العدوان انقلب على أصحابه وتبيّن أن موقفه المنطلق من التفاهم كان مبدئياً لأنه شخص شريف وصادق لا يُخشى منه ولا عليه. وسيرى الكثيرون كم خسروا بمواقفهم وكم كان مستشرفاً لحقائق الأمور التي بنى عليها موقفه.

¶ هل تتخوّفون من محاولة سرقة داخلية للانتصار؟
ـــــ هذا الانتصار لا يُسرق ولا يُحرق ولا يَغرق ومطبوع بأشخاصه ومحبّيه. هذا انتصار لمن أراده وليس لمن أبغضه.

¶ ما هي الخطواط الحمراء للمرحلة المقبلة؟
ــ منع تعطيل قدرة الدولة كي تكون لجميع أبنائها، والوقوف في وجه كل من يسعى الى ضرب الوحدة الوطنية، والعمل على تثبيت الاستقرار الداخلي ومنع الفتنة، والسعي الدؤوب من أجل بقاء لبنان بعيداً من الوصاية الأميركية.

¶ هل صحيح أن العدوان ألحق الأذى بالبنية العسكرية والأمنية للحزب؟
ــ لم تهتز البنية العسكرية على مستوى الشباب المجاهد، وعدد المقاومين في الجنوب كانوا بحسب ما تستلزمه المعركة. أما المستعدون للمشاركة فهم أكثر بكثير. لكن المعركة لم تحتج الى زجّ هذا العدد الكبير. اطمئن إلى أننا على قوتنا ووضعنا المناسب. وقد أعلنّا عن شهدائنا ولم نخف أحداً وهي أعداد قليلة جداً. والأعداد التي ذكرتها اسرائيل وهمية وهم يحاولون تسلية أنفسهم بها.

¶ أطلق الحزب مشروعه لإعادة الإعمار، فهل سيقود هذه العملية وحده؟ وهل من دعم إيراني في هذا المجال؟ وهل تقبلون المساعدات الأميركية؟
ـــــ الإعمار مسؤولية الدولة أساساً لأن الحرب كانت على لبنان. نحن لنا مؤسساتنا الاجتماعية ونعتبر أن مسؤوليتنا الإسلامية والأخلاقية تقتضي مساهمتنا في مقابل تضحيات الناس. سننسّق مع الدولة. ودعوتنا الى المساعدة الفورية لها علاقة بقدوم فصل الشتاء وشهر رمضان والمدارس ولا يجوز بقاء الأهالي من دون بيوت. نحن لا نحتمل هذه الصورة لأننا حريصون على كرامتهم ووضعهم الإنساني. إيران ستقدّم مساعدات الى الدولة. ويمكن أن تعطي بعض المؤسسات الإيرانية مساعدات للحزب كما هي حال المؤسسات الدولية التي تساعد بعض المؤسسات اللبنانية. أما أميركا، فلا نحتاج الى مساعداتها التي تقدم عبر الدولة اللبنانية، ولن نخوض معركة ضدها وهي تافهة.
حاورته:امال ناصر


استاذ مادة الكيمياء الذي تحول رجل دين يهتم بأمور الادارة والتنظيم والتعبئة والتعليم، هو نفسه الكادر الذي تدرج في المواقع القيادية لحزب بات الابرز في المنطقة. ومثل الاخرين، فقد منزله ومكتبه، فيما أصيب ولده البكر بجروح خطرة على الجبهة. واختفى ابنه الثاني في الاودية لبعض الوقت. سأل عنهما وتابع مهماته.