عفيف دياب
في الثالث من شهر كانون الأول عام 1969 وقّعت الدولة اللبنانية اتفاقية القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية التي سمح بموجبها بتسهيل مرور العمل الفدائي الفلسطيني، وتحديد نقاط الاستطلاع في مناطق الحدود، وتأمين الطرق الى العرقوب.
في 1969 لم تكن قوات الاحتلال الإسرائيلي قد سيطرت على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. كانت هذه المنطقة الأكثر "اكتظاظا" ونشاطا بقوات مختلفة من الفدائين الفلسطينيين، وأحزاب يسارية لبنانية لعبت دوراً هاماً في تحريك الشارع اللبناني من أجل "حرية" العمل الفدائي في لبنان وشن هجمات ضد إسرائيل، وهذا ما أدى الى "ولادة" اتفاقية القاهرة التي كان للرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر "بصمات" كبرى في الضغط على السلطة اللبنانية من أجل توقيعها.
وجدت م. ت. ف. في منطقة العرقوب، الجبلية ــ الوعرة جدا، موقعا هاماً للانطلاق نحو فلسطين. إضافة الى حالة الاحتضان الشعبي الكبير من أبناء قرى العرقوب الذين انخرطوا في صفوف الفدائيين من الأردن الى بلادهم لاحقا.
هذا الاحتضان الشعبي للفدائيين أدى الى صدامات شبه يومية مع الجيش اللبناني الذي كان يحاول الحد من نشاط "الثورة" ومراقبة عملها العسكري. فشل الجيش في حسم الأمر، فقرر أن ينسحب من العرقوب وهكذا حسم الوضع لصالح "فتح ــ لاند". إلى أن نظمت في أواخر 1969 تظاهرة لأهالي كفرشوبا ضد وجود الجيش اللبناني في قريتهم، فغادر الجيش اللبناني الى مداخل العرقوب في سوق الخان وحاصبيا، فيما بقي وجوده محدودا في شبعا ومزرعة حلتا.
في أوائل عام 1970 نجحت قوات "الفدائيين" في السيطرة النهائية على مرتفعات العرقوب في شبعا وكفرشوبا وصولاً الى أطراف بلدة عين عطا في قضاء راشيا، ومنع الجيش اللبناني من دخول الشريط أو التموضع فيه.
غياب الوجود الميداني للجيش اللبناني في العرقوب تطور في نهايات عام 1973 بعد حرب تشرين. فقوات الاحتلال الإسرائيلي سيطرت بشكل نهائي على مرتفعات كفرشوبا وبلدة شبعا، وأخذت "تقضم" تدريجيا الهضاب الغربية لمزارع شبعا ومروج كفرشوبا حيث تحولت المنطقة الى جبهة مواجهة يومية الى أن جاء عام 1975 حيث دمر العدو الإسرائيلي بلدة كفرشوبا بشكل كامل وهجر أهلها الذين كانوا "الحماية" الشعبية للفدائيين فتراجعوا نحو راشيا الفخار وكفرحمام، وبدأ التمدد العمودي والأفقي لهم على حساب انسحاب الجيش اللبناني من المناطق السفلى في العرقوب الذي أصبح تحت سلطة م.ت.ف. بكل حدوده الجغرافية والاجتماعية، مع غياب تام للسلطة اللبنانية، عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
بعد اجتياح آذار 1978 وانتشار قوات الطوارئ الدولية، لم تنجح خطة السلطة اللبنانية المنقسمة في إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب ونشره مع قوات الطوارئ الدولية في القطاع الشرقي. فتعرض الجيش لقصف إسرائيلي عند مدخل بلدة كوكبا (قضاء حاصبيا) حيث توقف هناك ولم يتمكن من اجتياز غرب نهر الحاصباني نحو العرقوب.
بقي الجيش اللبناني في كوكبا حتى عام 1982 يوم اجتاحت إسرائيل كل لبنان. غادرت م.ت.ف. وغادر الجيش كوكبا، وبقيت قوات الطوارئ الدولية شاهد زور على ما يجري في منطقة العرقوب حتى عام 2000 يوم انسحبت إسرائيل من الجنوب وضمنا من العرقوب الذي بقيت تلاله في كفرشوبا ومزارع شبعا محتلة.
مع التحرير، وإرسال القوة الأمنية المشتركة من جيش وقوى أمن الى الجنوب، عرفت قرى العرقوب هذه القوة من خلال دورياتها المؤللة بشكل متقطع، إلى أن تمركز الجيش اللبناني أمس في كفرشوبا وشبعا لأول مرة منذ 37 سنة. فالمشهد تغير وتبدل كثيرا ما بين عامي 1969 و2006 . لأن تظاهرة كفرشوبا المعارضة للجيش عام 1969 انقلبت رأسا على عقب وأصبحت تظاهرة مؤيدة له عام 2006.