بعد انتهاء العمليات العسكرية، تبدأ الحكومات بتفعيل عمليات الإغاثة وإطلاق ورشات البناء وتنظيم المتطوّعين. لكن هذا ما لم يحصل في لبنان بعد.
نادر فوز

يقوم شباب «حزب الله» برفع الركام وفتح الطرقات وتنظيم عمليات الإغاثة، وكلّ ذلك لا يتمّ من دون متطوّعين.
تبدأ عملية إزالة العدوان الإسرائيلي بإجراء إحصاء دقيق لمخلّفاته. يتطلّب ذلك تحديد عدد المساكن المدمّرة وهوية أصحابها، وهذا ما يسهّل عملية تسديد التعويضات اللازمة في ما يخصّ المساكن والمفروشات. ويضع أحد المسؤولين فترة يوم أو يومين كحد أقصى للانتهاء من العمل على هذا الإحصاء، فيما يقول إنّ مسألة التعويضات وإيواء المهجّرين (يبلغ عددهم 75 ألفاً تقريباً)، قد تمتد إلى شهر أو ستة أسابيع كحد أقصى. ويقدّر أنّ تتخطى فترة إعادة الإعمار هذه عاماًوقام مسؤولو «حزب الله» في الضاحية الحنوبية لبيروت بتقسيم المنطقة إلى مربعات ودوائر عدة بهدف ضبط المواقع وتنظيم سير العمل فيها بشكل أفضل. وتتوزع في كل دائرة مجموعة من المهندسين والمتطوّعين بهدف استخلاص إحصاء دقيق للمساكن المهدمّة وحال الأبنية الباقية. وفيما يقوم المهندسون بدراسة دقيقة للمباني، يسعى «الشباب المتطوعون» إلى مساعدة أصحاب البيوت على سحب بعض ممتلكاتهم من تحت الركام، أو حتى «إرشادهم إلى بقايا بيوتهم»، كما يقول حسين، أحد المتطوعين. أما مهمة فتح الطرقات ورفع الأنقاض فتعمل عليها الحفارات والرافعات والجرافات. ولا يزال عدد من الأبنية المدمّرة يحتضن جثث شهداء سقطوا في الغارة الأخيرة على مجمع الإمام الحسن في حيّ الرادوف في برج البراجنة.
وقد نصبت عدة خيم للتطوّع في منطقة الضاحية الجنوبية حيث يقوم عدد من الشبان بملء الاستمارات المطلوبة للأفراد. وتتضمّن الاستمارة اسم المتطوّع ورقم هاتفه وعنوان سكنه ومهنته. «معرفة المهنة هو الأمر الأهم»، يقول حسن، أحد المتطوّعين في «خيمة الرويس للتطوّع».
فهذا الأمر سيساعدهم لاحقاً في فترة الترميم وإعادة الإعمار حين تبرز الحاجة إلى نجّارين وحدّادين وحرفيين... أما المتطوّعون من ذوي الاختصاص فيستقبلون في مراكز أخرى ليتم توزيعهم على الدوائر اللازمة.
المهمة الأولى التي على المتطوّعين إتمامها هي المساعدة في فتح «الزواريب» التي تؤدي إلى مداخل بعض البنايات. ففي هذه الحال، لا تفي الآلات بالغرض، ويتطلّب الأمر السواعد والقوة.
يعدّ بلال، وهو مهندس متطوّع في إحدى دوائر حارة حريك، أنّ تطوّعه «واجب إنساني قبل أن يكون حزبياً». منزله تضرّر أيضاً، وهو بحاجة لبعض الترميم، لكنه يفضّل البقاء في «ساحة التطوّع»، «ما حدا أحسن من حدا». تخرّج بلال العام الماضي من كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية، وكان يعمل حالياً كمتدرّب. لكنّ الأحداث الأخيرة جعلت منه مساعداً لأحد المهندسين المخضرمين، «عم باخد خبرة أكتر من أيّ ستاج تاني»، يقول بلال.
رامي، أحد طلاب البروفيه، يتطوّع بدوره في عملية تنظيف الطرقات ورفع الأنقاض. لم يحصل بعد على نتائج امتحاناته. وحتى ذلك الحين، لا يجد ما هو أفضل من التواجد مع أبناء حيّه لمساعدتهم في التنظيف، ولمشاركتهم عبء المقاومة. يتمترس خلف «كومة» من الركام، متسلحاً بمكنسته: «عم ساعد الشباب بللي بقدر عليه»، يقول وهو يمسح العرق عن جبينه.
أما علي، صاحب محل لبيع التلفونات وتصليحها، فاستلم مهمة الإشراف على أحد الأحياء الصغيرة في الضاحية. «الحمد لله الشغل ماشي متل ما كنا متوقعين»، يقول علي. وبالطبع لا يعني بالـ«الشغل» عمله في المحل، بل العمل التطوّعي. محله، بيته وسيارته أصبحت أشلاءً. لكن المهم، بحسب علي، أنّ «النفوس لم تصب بأذى». فظلّت المعنويات عالية والشعور بالانتصار «يراه الجميع بمواصلة العمل لإعادة ما تدمّر».
لا يسجّل غياب الدولة في عدم تأمين المساكن والتعويضات للمهجرّين فقط، بل يمكن أيضاً ملاحظة انعدام وجود آلياتها وعناصرها.
يقول مسؤول عن الإغاثة تابع لـ«حزب الله» انّ عدداً كبيراً من المغتربين اللبنانيين يقومون بالتبرع من أجل إعادة الإعمار، إضافة الى العديد من الجمعيات والمؤسسات العربية والإسلامية. المطلوب من الدولة، بحسب المسؤول نفسه، «عالقليلة المساعدة بالبنى التحتية». لكن القرار في ذلك لم يتّخذ بعد. وفي ظلّ هذا الغياب، يتحدث البعض عن «سوليدير» جديدة ستبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت!